جدل: حماس واغتيال “سليماني”

ثار جدلٌ حاد حول موقف حركة حماس من اغتيال قاسم سليماني مسؤول فيلق القدس في إيران، البعض اعتبر أن الحركة كانت مضطرة لإبداء التبني والانحياز لإيران كداعم أساسي لحماس في قطاع غزة، وعدو مشترك ضد الاحتلال الإسرائيلي، في ظل أزمة مالية حادة تواجه حماس، فهل هي مضطرة للانحياز الشامل لإيران باعتبارها داعم أساسي،  أم أن موقفها يتعارض مع مبادئها الأخلاقية بالنظر للدور الإيراني في سوريا ولبنان واليمن والعراق؟

إبراهيم المدهون

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني.

علاقة حماس بإيران تركن إلى منطلق سياسي بحت يحمل بعداً استراتيجياً، يقوم على أسس واضحة وخطوات محددة، ويدرك الطرفان مواطن الالتقاء الكثيرة وحدود الاختلاف الحذرة، والعلاقة ليست اضطرارية كما يظن البعض.

تلتقي حماس مع إيران بأهم هدف انطلقت من أجله؛ مقاومة الاحتلال وقتال الاحتلال الإسرائيلي، وحماس صادقة وواضحة بالعلاقة ومتمسكة بها وتسعى لتطويرها مهما اختلفت الظروف.

وترى حماس أن الشحن الطائفي والتراشق به واستدعائه بفجاجة لا يخدم إلا الاحتلال الإسرائيلي، والقوى الغربية القائمة على إشعال صراعات في المنطقة تأكل بعضها بعضاً، وبالتالي تعفيها القتال والعدوان، لتستفيد من هذه الصراعات بإنهاك المنطقة والسيطرة على مواردها وثرواتها، لهذا أحذر من خطاب الكراهية، حيث تقاس المعادلات بوزنها الحقيقي الذي يخدم مصلحة القضية ويعمل على توحيد الصف الفلسطيني ضد الخطر المركزي المتمثل بالاحتلال الإسرائيلي.

ما يهم حماس كيف تتعامل إيران مع شعبها ومقاومتها، وهناك تصور واسع أن ما قدمته وتقدمه وستقدمه طهران يستحق تعزيز العلاقة والمشاركة بوضوح في ظل العدوان الأمريكي وتحريض الاحتلال الإسرائيلي، فاغتيال الجنرال قاسم سليماني بهذه الطريقة من قبل أمريكا والاحتلال الإسرائيلي، لم يترك لحماس أي فرصة أو خيار غير استنكار الجريمة والتحذير منها وتعزية إيران الدولة والشعب، وأعتبر ذلك موقفاً جليلاً من حماس التي سارعت بالتعزية وإرسال وفد رفيع المستوى واعلان حالة التضامن بفقدان الجنرال سليماني.

في المقابل تصيغ حماس علاقتها الخارجية على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول، ولا تتورط بمشاكلهم وسياساتهم، ولن تبني علاقة على حساب أخرى، وليس ذنب حماس أن أبواب طهران من العواصم القليلة المفتوحة لها، ويد إيران من الأيادي القليلة الداعمة لمقاومة شعبها، ومع هذا تحرص الحركة على طرق جميع الأبواب، فهناك من يستجيب وآخر متردد وثالث كاره ومتواطئ.

فعلاقة حماس مع طهران لن تكون على حساب أي دولة عربية ولن تلتقي حماس مع ايران بأي معركة جانبية غير معركة فلسطين،  ولا تطلب إيران في المقابل من حماس التدخل في شؤون دول أخرى  أو مواقف خاصة بأزمات وتداخلات المنطقة،  ومن ذكاء  القيادة الايرانية معرفة ما المقبول والمرفوض في سياسة حماس، لهذا لن تتردد قيادة الحركة من زيارة الرياض وأبو ظبي وأي دولة تستعد لاستقبالها وسماعها، فضلاً عن دعمها والاصطفاف معها لمواجهة صفقات التسوية.

ناريمان أبو دقة

محامية وباحثة ماجستير علاقات دولية

تكتسي العلاقة بين حركة حماس وإيران روح الطبيعة البراغماتية، وذلك لكون الطرفان بحاجة متبادلة لبعضهما البعض، فحماس التي ترى في إيران المنقذ والداعم لها من خلال تقديم المال والسلاح والخبرات القتالية، خاصة في حالة عزوف أغلب الدول عن التعاون والتعامل معها، ترى إيران في دعمها لحركة حماس دعماً لمشروعها التوسعي عن طريق شراء الأدوات واللاعبين الموالين لها لاستخدامهم وقت الحاجة كأوراق تفاوضية مع الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي.

لقد رأت حماس أنها قدمت تنازلاتٍ عديدةً للأنظمة العربية وتحديداً دول الخليج دون جدوى، بل بالعكس قد تم وصفها بأنها “حركة ارهابية”، فقد قام وزير الخارجية السعودي، عادل جبير، بتصريح ذلك علناً أمام البرلمان الأوروبي بوصفها حركة “متطرفة”، وأكد أيضاً على قطر ضرورة التوقف عن دعم الجماعات الإرهابية وعلى رأسها حماس، ما جعل الأخيرة مضطرةً للوقوف على باب طهران، لكن هل عاد هذا الباب بالفائدة على “حماس” أم القضية الفلسطينية، سؤال مطروح لدى لفيف واسع من الشعب الفلسطيني!

وفيما يخص زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد إسماعيل هنية لطهران وتقديم واجب العزاء بمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ونعته بـ”شهيد القدس”، فالأرجح أن هذه خطوة ستؤثر بالسلب على الحركة، لكون إيران متورطة بإراقة الدم في كلٍ من سوريا واليمن والعراق، وبالتالي سيضعف ذلك بالمقابل التأييد العربي “لحماس” في ظل موجة العداء بين ايران ودول الخليج “عدا قطر” ومصر.

ربما يعكس إقدام حركة حماس على الإطاحة سابقاً بحركة الصابرين في قطاع غزة التي تتلقى دعماً مباشراً من إيران، براغماتية علاقاتها مع إيران؛ لكن حماس -لا سيّما إسماعيل هنية- بالغ في تعزية إيران، فهي بذلك تخسر الموقف المصري المهم جداً بالنسبة لها،  فقد شاعت الأقاويل أن القاهرة قد منعت إسماعيل هنية من العودة الي قطاع غزة بعد الجولة التي قام بها، والذي بدوره قد صرح بأنه سيبقى فترة عام خارج القطاع.

إن مصر وبحكم الواقع والجوار، تمتلك أداة عقابية ضد حماس، لذا يجب على الأخيرة التحرك وفقاً لما يتوازن مع توجهات المحاور، فقد يصل إيغالها في العلاقات مع طهران، لخسارة عظيمة لا يدفع ثمنها سوى الشعب الفلسطيني الذي يعتمد بشكلٍ كبير على الدعم العربي له، فأين عقلانية توازن القوى عند حركة حماس؟ أم أنها تخضع لسيطرة عقلية ضيقة مؤلفة من العسكريين والأمنيين العاجزين عن التفكير الاستراتيجي؟

يحيي عياش

صحفي فلسطيني

تعد العلاقة بين حركة حماس وإيران، من أبرز العلاقات الأكثر جدلاً وخصوصاً في الأوساط الشعبية، رغم امتداد هذه العلاقة إلى عام 1990، حينما شاركت حماس بشكل رسمي في مؤتمر أقامته طهران لدعم الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة)، وما تبعها من تطور لافت في العلاقة حتى وصلت في السنوات الأخيرة إلى درجة البعد الاستراتيجي “الحليف”، كأي حركة تحرر وطني تسعى لتوطيد علاقاتها مع جميع الأطراف دولاً وأحزاباً ومؤسسات، سعياً منها لتوفير الدعم الذي يُحيي مشروعها ويضمن له الاستمرار.

ويبرر قادة حركة حماس حلفهم مع إيران، بأنها الدولة الوحيدة التي تمد الجناح العسكري لها (كتائب القسام) بالمال والسلاح، إلا أن هذه الدرجة من العلاقة أثرت على باقي العلاقات مع الدول العربية، وتحديداً في الدول التي تتعامل بسياسة متناقضة مع طهران، وعلى رأسها مصر والسعودية.

وقد أجادت حركة حماس العمل بهذه المتناقضات في علاقاتها مع طهران والقاهرة في نفس الوقت، لكنها فشلت في إقامة علاقة مماثلة مع السعودية، وسواء كانت العلاقات اضطرارية أم استراتيجية، فإن اللغة السياسية تدفع إلى عدم التبعية، لأنها تحطم استقلالية القرار.

وربما هذا السبب دفع بتصعيد موجة الغضب الشعبي بعد انفتاح حركة حماس الكبير والمعلن على طهران بعد اغتيال “قاسم سليماني”، ما قد يلقي بتأثيره الحتمي على علاقات أخرى تحتاجها الحركة، حتى ولو كانت تمر حالياً بنوع من الانقطاع على الصعيدين الإقليمي والدولي.

إن حركة حماس مطالبة بشكل جدي أن تطرق كل علاقة مع محيطها العربي والإقليمي والدولي، وألّا تغلق أي باب قد يشكل لها سنداً في مسيرتها التحررية حاضراً أو مستقبلاً، وتعمل على خلق التوازن في العلاقات، وإعطاء كل علاقة قدرها المعقول، مع عدم إغفال أنها حركة تحرر وطني، وما هو واجب سياسي بعرف الدول، حتما لن يكون عليها واجبا بموضعها التحرري.

منتدى السياسات العربية

وحدة الأبحاث والسياسات
زر الذهاب إلى الأعلى