مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن: الغايات وردود الأفعال

اقرأ في هذا المقال
  • سينتج عن تأسيس هذا المجلس تغييرا في موازين القوى في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر إذا ما تحققت أهدافه المعلنة وغير المعلنة؛ لكن تبقى هذه الفرضية مرهونة بمدى الفاعلية التي يمكن ان يظهرها المجلس

 

 

 

مدخل

أعلنت ثمانية دول عربية وإفريقية مطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، تشكيل مجلس تعاون أطلق عليه مسمى “مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الاحمر وخليج عدن”، في ظل تنافس دولي وإقليمي محتدم حول منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر. وقد تم التوقيع على ميثاقه في السادس من شهر يناير الجاري من قبل وزراء خارجية الدول الثمانية بالرغم من أنفكرة تأسيسه انبثقت عن سلسلة اجتماعات مكثفة عقدت في الرياض في ديسمبر كانون الأول العام 2018[1].

وحول غايات وأهداف تأسيس المجلس برزت العديد من التأويلات والتحليلات، فمن جهة لم ير فيها البعض أكثر من أمنيات عربية تاريخية يكون فيها البحر الأحمر بحراً عربياً خالصاً، وقد تم ذلك بإنجاز من القيادة العربية الحالية، ومن جهة أخرى رأت فيها بعض التأويلات بديلاً آخراً للتكتلات العربية الإقليمية القائمة كالجامعة العربية ومجلس تعاون دول الخليج العربي. أما الرواية الرسمية للدول المؤسسة، ولا سيما رواية قيادة المملكة العربية السعودية، فتؤكّد على تمثل الغايات الرئيسة من تأسيسه في مجابهة المخاطر المشتركة، وحماية حركة التجارة والملاحة، فضلاً عن تعزيز القدرات الأمنية والعسكرية.

ويبقى من المؤكّد وجود أهداف غير معلنة وراء تشكيل هذا المجلس؛ كمجابهة نفوذ القوى المتنافسة على الإقليم، لا سيّما تركيا وإيران وحلفائها كدولة قطر، ويرى كثيرون أنّ خطوة تشكيل هذا المجلس أتت لتحقيق غاية واحدة وهي احتواء نفوذ هذه الدول. تسلط هذه القراءة الضوء على أهداف وغايات إنشاء المجلس من منظور الأطراف المؤسسة له، بالإضافة إلى استشراف ردود الأفعال الرافضة والداعمة لتشكيله.

دلالات التسمية وأهداف النشأة

قد يبرز التساؤل حول مسمى “مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”، خاصة أن أغلب الدول التي تشكله تحظى بعضوية في جامعة الدول العربية باستثناء دولة إرتيريا، والتي يعتقد أن بانضمامها للمجلس الجديد سبباً وراء هذه التسمية، وذلك بحكم تحفظها على الانضمام إلى البيت العربي بالرغم من المحاولات العربية الحيثية. ويأتي تبني السعودية لهذه المبادرة وإسهامها الأكبر فيها، بالرغم من عدم إطلالها على خليج عدن، كدلالة على مراهنتها على النفوذ الذي تتمتع به على الساحة اليمنية[2].

وكما هو واضح، فلا تخلو منطقة الشرق الإفريقي والبحر الأحمر من تسابق محموم بين الدول الكبرى والقوى الإقليمية، فضلاً عن التواجد الفعلي والعسكري لبعضها في حوض البحر الأحمر وخليج عدن، لذلك يرى قادة كل من المملكة العربية السعودية ومصر في هذه التواجد خطراً على أمن دولها القومي ومصالحها الحيوية، وبالتالي تسعى للحافظ على أمنها من خلال إنشاء تكتل تحت تأثير نفوذها.

بالإضافة إلى ذلك، تتسارع الأحداث التي تشهدها دول القرن الإفريقي في سياق تغييرات دراماتيكية تعيشها، كتغيير نظام الحكم في السودان ومواجهة بعض دولها لضغوط داخلية وخارجية، لذلك تحاول كل من القاهرة والرياض الاستفادة من الأوضاع القائمة في هذه الدول بما يخدم مصالحها ويبعد منافسيها عن الساحة. وذلك من خلال اختراق عملية التغيير، الأمر الذي يتجلى في المشهد السوداني، إذ تمارس الضغوط على ساسة الخرطوم الجدد بهدف صرفهم عن المحاور الإقليمية الأخرى[3].

ويرى الباحث المصري، عمر أديب، وهو محاضر أول في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي بجامعة لوباتشيفسكي الروسية، أنّ محاولة تأسيس أحلاف عسكرية أو سياسية في منطقة البحر الأحمر، تهدف بالأساس إلى إضعاف التواجد الإيراني والتركي في منطقة مضيق باب المندب، كما يرى في تشكيل ذلك الحلف انتصاراً دبلوماسياً للرياض، خاصة أن بعض الدول المؤسسة للمجلس الجديد تتبنى مواقف رافضة للانخراط في أي تشكيلات أو تحالفات إقليمية. كمصر، على سبيل المثال، والتي ترفض المشاركة في أي حلف عسكري أو سياسي خارج مظلة جامعة الدول العربية.

الأهداف من منظور الأطراف الهامشية:

بالرغم من الدور الكبير الذي تلعبه كلاً من الرياض والقاهرة وفق غايات وأهداف واضحة، إلا أن الأطراف الأخرى تحمل أهدافاً مصلحيةً، ولها مسوغات وغايات متعددة وراء الانخراط في المجلس. على سبيل المثال، تشهد السودان مرحلة تحول سياسي كبير، وتواجه الكثير من المشاكل الداخلية والخارجية عقب حالة العزلة دولية التي مرت بها، لذلك تسعى من خلال هذا المجلس إلى كسب دعم الدول الأغنى والأكثر تأثيراً في العالم العربي، كما ترى في الانضمام اليه خطوة بالاتجاه الصحيح نحو الاندماج مجددا مع المجتمع الدولي.

كما يأتي انضمام جيبوتي ضمن مساعيها للكسب العيني والمادي من المملكة العربية السعودية، فضلاً عن استشعار نخبتها السياسية بأهمية هذا المجلس في نظر الدول الكبرى، كالولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، والتي تعتبر أحد أبرز داعميه الدوليين.

 ردود الأفعال الرافضة والداعمة:

ترى قوى إقليمية في هذا المجلس تهديداً لنفوذها في اقليم شرق إفريقيا والبحر الأحمر، كتركيا التي تمكنت من نسج علاقات قوية مع بعض دول الإقليم خلال العقد الماضي، وتمكّنت من إيجاد موطئ قدم فيها، كالنفوذ التجاري الذي تحظى به في الصومال، بالإضافة إلى تواجدها العسكري فيها؛ لكن انضمام الصومال لهذا الحلف كعضو مؤسس للمجلس، على سبيل المثال، يدفع القيادة التركية لتبني مواقف أكثر صرامة إذا ما بدا هذا التكتل أحد أشكال التهديد لمصالحها.

ومن المتوقع أن يكون لأنقرة ردود أفعال معارضة لفكرة التحالف، بل قد تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وتتخذ خطوات استراتيجية من شأنها تقويض أعمال المجلس. كتكثيف تواصلها مع بعض الدول الأعضاء في المجلس بغية إضعاف إمكانية فاعليتها فيه، أو أن تقوم بتقديم المعونات العينية والمادية، أو أن تشرع بتنفيذ استثمارات كبرى من شأنها إغناء بعض دول المجلس عن المعونات السعودية والإماراتية المشروطة، وتأتي تصريحات أردوغان الأخيرة حول الدعوة التي قدمتها الصومال لتركيا للاستثمار في حقول النفط البحرية تأكيداً لما ذهبنا اليه[4]. ومن المتوقع ايضاً أن يكون لإيران ردود فعل عسكرية، كاستهداف القوات الأمنية المزمع تشكيلها مستقبلاً عبر حلفائها الحوثيين بغرض الحد من نشاطها وفاعليتها.

وعلى نقيض ردود الفعل المناهضة للمجلس، تتبنى قوى أخرى موقفا داعما لهذا المجلس، كالموقف الأمريكي، إذ ترتبط الإدارة الأميركية بعلاقات مميزة مع الدول الرئيسية للتحالف، كما يأتي هذا التشكل الإقليمي ضمن مساعيها الحثيثة لإيجاد تحالفات إقليمية موالية من شأنها المساهمة في حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب، الأمر الذي يتوافق مع الرواية الرسمية لتأسيس هذا المجلس، لذلك يمكن القول إن واشنطن تدعم قيام هذا المجلس دون تردد، في الوقت الذي لا يمثل أي تهديد لأمن دولة الكيان الصهيوني[5].

بالإضافة الى ذلك،ترغب واشنطن في الاستفادة من النفوذ السعودي المصري على الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن بغية الحد من نفوذ وسيطرة المنافسين الدوليين، وخاصة الصين وروسيا، إذ أظهرتا توسعامطرداً في تلك المنطقة الحساسة مؤخراً، الأمر الذي لا يلقى رضى من وجهة نظر العقل الاستراتيجي الأمريكي، والذي يرى في المنطقة ساحة تمس أمنه ومصالحه القومية. كما تدعم تل أبيب تشكيل هذا التكتل الإقليمي، إذ يساهم في تعزيز أمنها القومي وحماية مصالحها الحيوية في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، نظرا للعلاقات القوية التي تتمتع بها مع الدول الرئيسية المؤسسة له.

خاتمة

تأتي الأهداف والغايات الرئيسية لمجلس “الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” من أجل تلبية احتياجات أمنية وعسكرية في ظل السعي لمواجهة التهديدات المختلفة والمتمثلة في؛ انتشار المخدرات، وعمليات الاتجار بالبشر، وتهريب الأسلحة، والتي تنشط فيها إيران بشكل خاص. ومما يضاعف هذه التهديدات قلة الرقابة الأمنية في الكثير من النقاط والمواقع الجغرافية الحساسة نتيجة للعجز المتمثل في محدودية قوات الأمن، ونقص الموارد، وعدم توفر الخبرة التقنية.

كما يأتي تشكيل هذا التكتل الإقليمي في سياق السعي لتحقيق أهداف اقتصادية واستثمارية من خلال تعزيز التجارة والاستثمار، وتوفير فرص العمل، وتزويد الفئة الشابة ببدائل تساهم في صرفهم عن مداولة الأنشطة غير القانونية؛ لكن تواجه ذلك تحديات كبيرة على مستويات مختلفة يكمن أبرزها على الصعيد الإداري، فضلاً عن وجود إرادة سياسية قوية.

وبالتالي، سينتج عن تأسيس هذا المجلس تغييراً في موازين القوى في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر إذا ما تحققت أهدافه المعلنة وغير المعلنة. لكن تبقى هذه الفرضية مرهونة بمدى الفاعلية التي يمكن أن يظهرها المجلس، الأمر الذي يعد مثاراً للشك من قبل بعض المهتمين، بحكم حالة العجز عن توحيد الرؤى بين الدول المؤسسة للتكتل.

المصادر:

  1. Arab-African alliance announced in Riyadh، وكالة الأناضول، 6 يناير 2020: https://cuu.me/49p
  2. Red Sea, Gulf of Aden border countries form council, The Jordan Times, at Jan6, 2020: https://cuu.me/49q
  3. سعيد الطيب، مجلس البحر الاحمر وخليج عدن الاستراتيجية العربية، وكالة السودان للأنباء، 07/01/2020: https://cuu.me/49r
  4. Menkeşe Tokyay, Arab News, Turkey targets Somalia for oil drilling, 232020/01/, https://2u.pw/5kiGa
  5. عبد العزيز حمد العويشق، مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن يسُدّ ثغرةً أمنيّةً مُهمّةً، العربية نت، 19/01/2020: https://cuu.me/49t

إبراهيم ناصر

باحث دكتوارة في العلاقات الدولية- السودان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى