عُمان بين عهدين

اقرأ في هذا المقال
  • على بن علوي: "هناك اتصالات مستمرة أجراها الأمريكيون معنا باستمرار بهدف تخفيف التوترات، وسنعمل جميعاً ومعاً لمساعدة المنطقة على تحقيق استقرار حقيقي"

إلقاء نظرة علىقائمة المعزين المتناقضة في السلطان قابوس (قطر ومحاصريها، اسرائيل والفلسطينيين، الحكومة اليمينية والحوثيين، الولايات المتحدة وإيران، نظام الأسد والائتلاف المعارض وغيرهم…)، يكشف أهمية السياسة العُمانية الجديدة، وترقب استمرارها، وهو ما أشار له أكثر من باحث متخصص الشأن العُماني، بأن تأثير مسألة الخلافة في عُمان لا تقتصر على عُمان وحدها؛ بل ستؤثر على جميع دول الخليج العربي؛ وبالتالي على المنطقة ككل[1].  الأمر الذي تسعى ورقتنا إلى إجراء مقاربة أولى له بعد أيام من انتقال السلطة، دون المرور على الظروف الداخلية للسلطنة بما فيها أجواء تبادل السلطة.

وقد أعلنت دولة عُمان يوم السبت الموافق 11 يناير 2020م وفاة السلطان “قابوس بن سعيد بن تيمور”[2]عن عمر يناهز 79 عاما، بعد حكمه للبلاد منذ 23 يوليو 1970م، أي قرابة 50 عاما، ليتولى الحكم من بعده ابن عمه “هيثم بن طارق بن تيمور ال سعيد” الذي كان يشغل منصب وزير الثقافة، وهو الوحيد الذي ليس له خلفية عسكرية من بين الأسماء التي كان يتم تداولها قبل وفاة قابوس على أنها مرشحة لموقع السلطان، ويتمتع السلطان الجديد بخبرة اقتصادية اكتسبها من خلال رئاسته للجنة رؤية عُمان2040.

وقد تعهد السلطان الجديد في أول خطاب له؛ بالسير على طريق قابوس على صعيد السياسة الخارجية، والتي اعتمد فيها على حسن الجوار وعدم التدخل إلا بإطار المساهمة في حل الخلافات، ودعم مسيرة التعاون الخليجي، والمحافظة على العلاقات الودية مع كل الدول -فإن تصرف السلطان الجديد أمام هذه الملفات الساخنة سيكون موضع اختبار حقيقي. وبالرغم من أن عُمان تعتبر دولة صغيرة إلا أن موقعها الاستراتيجي والسياسة التي تبنتها في عهد سلطانها الراحل تظهر سبب اهتمام الفرقاء بمحيطها المضطرب باستمرارها في دورها المعتاد.

السياسة الخارجية في عهد قابوس:

هدف السلطان قابوس في بداية عهده إلى نقل عُمان من دولة سلطانية قديمة شكلاً ومضمونا إلى دولةٍ حديثة، باستثناء نظريتها السياسية الحاكمة لها على مدى أكثر من قرنين ونصف، تحت حكم العائلة البوسعيدية -الإباضية مذهباً- والتي ترى في الحكم جزءا من وظيفتها الدينية، وتصوّرها الفقهي والديني، للحياة والسياسة معاً[3].

وقد واجه السلطان قابوس تحدياتٍ جمة في فترة حكمه، منها ثورة يسارية في ظفار والجبل الأخضر، ومنها استقلال إمارات ساحل عُمان كدولةً مستقلةً باسم الإمارات العربية المتحدة، ويبقى أهمها طوال الوقت شحّ موارد السلطنة الاقتصادية؛ وهو ما أدى إلى ميله للانكفاء داخلياً عن المحيط -باستثناء اليمن الذي يعد مركز من مراكز الصراع العالمي لكونه الاغنى بالثروات الباطنية-، وجعل قابوس يرسم سياسته الخارجية على قاعدة “عدم التدخل”؛ والتي عنت بحالته -في كثير من الأحيان- التوسط بين المتصارعين لخفض سقف الصراع بينها بغية تجنيب الإقليم الحروب، او الظروف المناسبة للثورات.

واحتاج “قابوس” للاستمرار في الحكم، ولتنفيذ سياسته المسك بالدولة بقبضة قوية؛ لذلك عمد في فترة حكمه الطويلة للسيطرة على مفاصل الحكم من خلال الإمساك برئاسة الوزراء، ووزارتي الخارجية والمالية، ورئاسة البنك المركزي، بالإضافة لكونه القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ الأمر الذي كان له انعكاسات بعضها سلبية، حيث جمّد الفاعلية السياسية للدولة فترات طويلة، وأضعف آليات اتخاذ القرار بحصرها به وحده، وهو ما أدى إلى شيوع المخاوف من ضعف السلطنة حين تفقد رأسها تحديداً أنه لم يكن له ولد ولم يسم خليفة له.

سلطنة عُمان والإقليم المضطرب:

ترك رحيل السلطان قابوس عُمان في بيئة إقليمية مليئة بالأزمات والتوترات، حيث أعلن عن وفاته بعد عدة أحداث إقليمية كبيرة أهمها؛ مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري “قاسم سليماني” الذي زاد من اشتعال الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران المتوقدة منذ أن انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران في 2018؛ وهو الاتفاق الذي كانت قد ساهمت عُمان في الوساطة من أجل بدء المفاوضات حوله في العام 2012.

وبالإضافة إلى التوتر الأمريكي الإيراني ما تزال الأزمة الخليجية بين السعودية والبحرين والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى مستمرة، فضلاً عن استمرار الكارثة الانسانية في اليمن منذ تدخل التحالف العربي في اليمن ضد الحوثيين بدون أي أفق للحل السياسي، ومع هذه الملفات المتعلقة بجوار عُمان يضاف موضوع التطبيع الخليجي الإسرائيلي، حيث فاجأت فيه عُمان الجميع عندما استقبلت رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكتوبر 2018.

أولاً: العلاقات مع إيران

تميزت عُمان عن بقية دول الخليج في علاقاتها مع إيران، فقد نمت العلاقات بين عُمان وإيران منذ انتخاب روحاني رئيساً في 2013، ويعتقد المختصون أن هذه العلاقة بالإضافة إلى وعضويتها في مجلس التعاون الخليجي، تسمح لعُمان بإجراء توازن بين السعودية والإمارات من جهة؛ وإيران من جهة أخرى لمنع تدخل دول الخليج ذات الطموح الأكبر في شؤونها أو التأثير على سياستها.

ومن جهة أخرى فقد عملت عُمان خلال السنوات الأخيرة كوسيط موثوق بين الولايات المتحدة وإيران، وشكلت قناة خلفية لتسهيل المباحثات للوصول للاتفاق النووي في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما؛ ولكن انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق في 2018 أعاد التوتر للمنطقة، وهو الأمر الذي تخشى عُمان وبقية الدول الخليجية الصغيرة من التأثر بانعكاساته السلبية.

ومنذ ذلك الوقت عملت كل من سويسرا وعُمان “كوسطاء” بشكل مكثف للعب دور إيجابي لإنهاء الأزمة،وقدمت عُمان عرضاً للوساطة يرتبط بالحوار مع الولايات المتحدة، إلا أن الخارجية الإيرانية أكدت أن “التفاوض مع الإدارة الأمريكية غير وارد وغير موجود”.

وقد عملت عُمان على التقليل من حدة التوتر بين إيران والغرب، حيث أسهمت في جهود إطلاق إيران لناقلة النفط البريطانية المحتجزة؛ ويمكننا القول؛ أن موقع عُمان وسياستها ساهمت في لعبها دور الوسيط والقناة الخلفية بين الغرب وإيران، ومن المتوقع أن تستمر عُمان في لعب هذا الدور حيث من المرجح محافظة السلطان الجديد على علاقاته مع الغرب وتحديداً الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

كان الحدث الأبرز في هذا الملف هو اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في 3 يناير 2020، وكانت عُمان هي من أول من استشعر خطر هذا التطور، كما أنها أدركت أن الأيام الأولى للحدث ستكون فيها الوساطات غير متقبلة من الجانب الإيراني، وقد كان تصريح وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي بأنه: “لا توجد وساطة عُمانية بين أمريكا وإيران عقب حادث اغتيال قاسم سليماني، وأعتقد أنه لا مجال لها في الوقت الحالي“، مفهوماً في الأوساط السياسية في ظل ارتفاع سقف التوتر بعد الساعات الأولى للاغتيال، حيث جاءت هذه التصريحات قبل القصف الإيراني الصاروخي على قاعدة أمريكية في العراق.

ولكن لم يفت على بن علوي أن يوجه رسائل التوازن تجاه إيران حيث اعتبر ان اغتيال سليماني “كارثة كبيرة أثرت على الجميع”، مضيفاً أن “القائد سليماني قدم خدمات مفيدة للغاية ونطلب من الله أن يرحمه وأن يرحم جميع الشهداء”. ولكن بن علوي أشار أيضا إلى أن “هناك اتصالات مستمرة أجراها الأمريكيون معنا باستمرار بهدف تخفيف التوترات، وسنعمل جميعاً معاً لمساعدة المنطقة على تحقيق استقرار حقيقي”[4].

لم تكن عُمان وحدها في هذا الموقف؛ فدول الخليج الأخرى كان لها موقف مشابه تخوفاً من تحول المنطقة لساحة صراع بين طهران وواشنطن في ظل تزايد احتمالات أن تكون القواعد الأمريكية في الخليج، أو حتى المنشآت النفطية، أهدافاً للانتقام الإيراني.

وفي هذا الملف، وبملاحظة أن المؤشرات تفيد بأن السلطان الجديد سوف يعمل بشكل مركز على التنمية الاقتصادية، وتحسين البنية التحتية في عُمان، وتنويع اقتصادياتها، فإن استمراره في السياسة المتوازنة،والعمل على الاستقرار، ونزع فتيل التوتر بين إيران والولايات المتحدة، سوف يبقى دون تغيير يذكر؛ بل ربما يشهد مزيداً من الجهود العُمانية نحو تحقيق الاستقرار، وربما تتجاوب عُمان مع مبادرات إيرانية للأمن في الخليج.

ثانياً: المصالحة الخليجية

لم تنضم عُمان إلى السعودية والإمارات في الحرب على اليمن في عام 2015، ولم تشارك في حصار قطر في 2017، بل دعمت بشكل واضح مبادرات الوساطة الكويتية لإنهاء الحصار على دولة قطر والحوار معها. وقد قاومت مسقط ضغوط السعودية والإمارات للمشاركة في حصار قطر، وهو ما استفادت منه الأخير. إلا أن الرفض السعودي الإماراتي لهذه الدعوات أدت لنشوء “الأزمة الخليجية” التي تضمنت انقساماً واضحاً في موقف دول مجلس التعاون الخليجي، حيث بدت السعودية والإمارات والبحرين ككتلة واحدة فيما بقيت الدول الأخرى تتبع مواقف مختلفة عن هذه الكتلة.

من المتوقع أن يكون تغيير الحكم في عُمان فرصة جديدة لبدء التنافس من جديد على كسب السلطان الجديد من قبل أطراف الأزمة الخليجية، وعلى كل حال؛ حرصت كل الدول الخليجية على تعزية وتهنئة السلطان الجديد بشكل لائق، وإن برزت التعزية القطرية بعدة أمور، من بينها أن أول زعيم خليجي قام بزيارة التعزية كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، كما قام والده بزيارة التعزية بنفسه في وقت لاحق، والتقت والدة الأمير وزوجته بزوجة السلطان الجديد.

وقال رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم: “أتمنى لجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور الذي عرفته وتعاملت معه كل التوفيق والنجاح فنعم الخلف لنعم سلف. وأود أن أشيد بالانتقال السلس للسلطة وهذا يدل على حرصهم على استقرار الوطن وأن سلامة الوطن واستقراره تأتي في مقدمة أولويات العائلة الحاكمة والشعب العُماني الشقيق”[5].

لكن كما قطر والكويت، فإن سياسة عُمان المستقلة نسبياً قد تكون تحت الضغط السعودي والإماراتي؛ فقد تناقلت الأنباء وجود تدخل إماراتي في شأن عُمان الداخلي عبر دعم أسعد بن طارق لخلافة السلطان الراحل، وهو ما أثير بعد زيارة محمد بن زايد لمسقط خلال وجود السلطان قابوس في بلجيكا للعلاج نهاية 2019، أو من خلال اتهام عُمان لأبو ظبي بالتجسس على أراضيها في إبريل 2019. وهو السلوك الذي يمكن أن يدفع الحكم الجديد في عُمان نحو إيران للدفاع عن نفسه، الأمر الذي يفترض أن كافة دول مجلس التعاون لا تريده.

وهنا؛ نعود للتذكير بالملف الاقتصادي الذي سيركز عليه السلطان الجديد؛ وهذا ربما يحمل معه احتمالات ضغوط سعودية وإماراتية -بالترغيب والترهيب- ومن زاويتها فإن قطر حسنت من علاقاتها مع عُمان بعد الأزمة الخليجية في 2017، وقد وقعت في نوفمبر 2017 اتفاقية مع عُمان للتنقيب عن النفط قبالة سواحل عُمان وقد اعتبرت هذه إشارة على التقارب القطري العُماني، وفي نفس الشهر استقبل أمير قطر وزير الداخلية العُماني لبحث دور عُماني محتمل في تأمين كأس العالم2022 [6].

لقد أثارت التوترات الأمريكية الإيرانية الأخيرة إدراكاً جمعياً لكافة دول الخليج، التي تعمل جميعها ضمن رؤى استراتيجية لتنويع اقتصاداتها وجذب استثمارات أجنبية، أن بيئة الخلاف وعدم الاستقرار ستجعلها المتضرر الأكبر؛ وبالتالي بدت في نهاية العام الماضي مؤشرات على قرب نهاية الأزمة الخليجية، وخاصة بعد قصف منشأتي بقيق وخريص في السعودية، وهو ما تضاعف رجحانه بعد اغتيال الجنرال سليماني.

ولقد شهد شهر نوفمبر 2019 زيارة مسقط من قبل نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير “خالد بن سلمان”، حيث التقى السلطان “قابوس بن سعيد” ومسؤولين هناك -يتوقع أن لها ارتباط أكبر بملف اليمن- مع وجود مؤشرات على حدوث انفراج في الأزمة الخليجية خصوصا مع قرار السعودية والإمارات البحرين المشاركة في بطولة كأس الخليج لكرة القدم في الدوحة، في أول مشاركة لها في بطولة في قطر منذ قطع العلاقات.

يمكن القول؛ أن الموقف العُماني الرافض إلى الانضمام للكتلة الرباعية (السعودية، الإمارات، مصر، البحرين) في حصار قطر أثار استياء هذه الكتلة، واعتبر موقفاً غير مبرر مما دفع الدوحة لتمتين علاقاتها مع عُمان، لإظهار أنها غير معزولة خليجياً، ومع ترجيح دعم عُمان لحل الأزمة في الخليج فلا يشير هذا الأمر إلى قبول عُمان بالهيمنة السعودية على القرار في مجلس التعاون الخليجي، وقد سبق لعُمان أن رفضت مشروع توحيد العملة الخليجية وغيرها.

من المرجح أن العام 2020 سيشهد تنافساً على تقوية العلاقة مع السلطان الجديد، وستستعمل الامارات والسعودية سياسة الترغيب والترهيب معاً تجاه عُمان لتشجيعها على الاقتراب من سياساتها، وسيكون التطور في المشهد اليمني عاملاً رئيسياً مؤثراً على تعامل عُمان مع جيرانها الخليجيين.

ثالثاً: التطورات في اليمن

لم تشارك عُمان في التحالف العربي ضد الحوثيين في مارس 2015، وتعاملت بتوازن مع الطرفين حيث استقبلت الرئيس عبدربه منصور هادي عندما فر من اليمن ليتجه بعدها من عُمان إلى السعودية، كما استقبلت الجرحى الحوثيين بناءً على وساطة أممية منذ ديسمبر 2018، وقد كانت عُمان منطلقاً لكافة الجهود الغربية التي تسعى لإيجاد حل في اليمن.

وقد أشارت عدة تقارير؛ أن هناك صراعاً خفياً بين أبو ظبي ومسقط بدأ يظهر للعلن، خاصة مع تنامي النفوذ الإماراتي في محافظة المهرة اليمنية على الحدود مع عُمان، وتعد المهرة مصدراً لمخاوف عُمان منذ شكلت منطلقاً للعمليات العسكرية لجبهة تحرير ظفار في الستينيات، وقد ردت عُمان على تجنيس الإمارات لأبناء المناطق اليمنية الحدودية مع عُمان بتجنيس أفراد يمنيين، ويعتقد المراقبون أن إطاحة الرئيس اليمني بمحافظ المهرة محمد كده الحليف لعُمان جاء بضغوط إماراتية عبر السعودية، حيث اعترض المحافظ على وجود القوات الإماراتية في المحافظة[7].

يدرك اليمنيون أهمية الدور العُماني في الملف اليمني، وقد كان ملحوظاً تعزية 3 زعماء مختلفين في السلطان قابوس؛ وهم الرئيس اليمني عبدربه منصور صالح المدعوم من السعودية، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات عيدروس الزبيدي، ومهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين.

وتبين السياسة العُمانية أن السلطنة تفضل دعم جهود الأمم المتحدة في الملف اليمني مع بقاءها متيقظة تجاه التطورات على حدودها، ودون الانزلاق إلى مستنقع الحرب في اليمن؛ ومن ذلك أن “بن علوي” كان قد قال، قبل وفاة السلطان قابوس، رداً على سؤال عن الجهود العُمانية لإيجاد حل في اليمن: “ليس هناك مساعٍ عُمانية أو وساطة بين المملكة العربية السعودية والحوثيين، وكل ما يتعلق في هذا الملف لدى الأمم المتحدة”.

ولكن من المرجح أن تلعب عُمان دوراً أكبر في اليمن، فقد أكد “بن علوي” حدوث تطورات إيجابية في الحوار بين السعودية والحوثيين، معتبراً أن الطرفين بات لديهما رغبة أكيدة في التوصل للأمن والاستقرار، ويعتقد أن الدور العُماني في الوساطة بين السعوديين والحوثيين يحظى بمباركة أمريكية، فقد استضافت عُمان مؤخراً وفداً من جماعة الحوثي في مسقط للمساهمة في تسوية سياسية شاملة للأزمة اليمنية، تم على إثرها ترتيب لقاء بين نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان والسلطان قابوس.

هكذا، وإن لم ترض كل من السعودية والإمارات على الدور العُماني في اليمن إلا أنه كان لعُمان دور كبير ولا غنى عنه في التخفيف من الاحتقان الخليجي، وفي الوساطات الانسانية للأزمة في اليمن لكونها الوسيط الوحيد المقبول من جميع الأطراف[8].

ولهذا تجري مفاوضات بين السعودية والحوثيين حاليًا في عُمان يؤمل أن تتراجع الحرب أثناءها، وأن تفضي لاتفاق ينهي الحرب ويؤدي لرفع الحصار المفروض على اليمن إما كليًا أو جزئيًا، ومن المحتمل أن أي اتفاقسيتم التوصل إليه بين الأطراف اليمنية سيشكل نهاية لإدارة الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي، مع تعيين رئيس جديد أو مجلس رئاسي لفترة انتقالية حكومية، وما تزال مسألة انفصال جنوب اليمن تشكل قضية مهمة في المحادثات المستقبلية[9].

رابعاً: العلاقات الخليجية الاسرائيلية

فاجأت عُمان الجميع باستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في مسقط، أكتوبر 2018، حيث التقى بنيامين نتنياهو السلطان “قابوس بن سعيد”، في ثاني زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي للسلطنة، منذ 1994، وبحث الجانبان “سبل الدفع بعملية السلام”. وبعدها بيوم، أعلن وزير الخارجية العُماني “يوسف بن علوي” في حديث للإعلام، أن بلاده “تساعد على تقارب الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني“. وقد قررت عُمان في حزيران 2019 إعادة فتح بعثة دبلوماسية لها في رام الله.

ولا يستبعد عدد من الباحثين أن يواصل السلطان الجديد نفس سياسة سلفه في العلاقة مع دولة الاحتلال كوسيلة لكسب ود واشنطن وهي طريقة مارستها وتمارسها عدة دول في المنطقة خاصة؛ في ظل الأطماع من الدول المجاورة.

وقد ذهب بعض المتابعين إلى توقع أن تكون عُمان أول دولة خليجية تفتتح سفارة اسرائيلية على أراضيها، ولكن هذا الأمر يبقى مرهوناً بالتطورات الإقليمية وحتى الآن لا يوجد مؤشرات على هذا الأمر الذي سيكون بمثابة بداية لعهد جديد في التطبيع مع الاحتلال.

خاتمة

يعتبر الحياد بين الولايات المتحدة وإيران ميزة لعُمان، ويمكن لها أن تلعب دوراً مهما بهذا الصدد، ولكن حيادها في بخصوص اليمن مهدد ببعض التغيير تحت ضغط أمنها على الحدود مع اليمن، فالتحركات الإمارتية هناك ستجعلها تتبنى سياسة تمنع السعودية والإمارات من السيطرة على المحافظات القريبة منها،مثل المهرة وحضرموت، مستفيدة من أن الاطراف المشاركة في اليمن قد أنهكها الصراع وتريد التوصل لحلول.

وعلى صعيد العلاقات الدولية من المرجح أن ترسخ عُمان علاقاتها مع الغرب، وأمام تزايد الطموح والقوة السعودية يمكن أن تلجأ عُمان إلى زيادة الاهتمام بالتوازن بين كل من إيران أو إسرائيل، ومن المؤكد أن الفترة القادمة، ستكون فترة مشوبة بالغموض وعدم اليقين إلى أن يتبين من سيجلس على مقعد الحكم في البيت الأبيض بعد انتهاء الولاية الحالية للرئيس ترامب.

وفي هذه الأوقات فإن دولا مثل عُمان لا تقدم على أي سياسات تحمل طابعاً مغامراً، بل تكتفي بتأمين نفسها بشكل وثيق، وتركيز اهتمامها على السياسات الخارجية الموجهة نحوها من جيرانها ومن القوى الإقليمية والدولية.


المراجع والإشارات

[1]Succession in Oman can Threaten Gulf Stability & U.S. Interests, Gulfif, 10/1/2020. https://2u.pw/ALleD

[2] درس الراحل “السلطان قابوس” لمدة عامين في كلية ساند هيرست العسكرية في بريطانيا وتخرج منها برتبة ملازم ثان، ثم انضم إلى إحدى الكتائب العاملة في ألمانيا الاتحادية لمدة ستة أشهر، ليعود إلى المملكة المتحدة لتلقي تدريباً في أسلوب الإدارة في الحكومة المحلية، ودورات تخصصية في شؤون الإدارة وتنظيم الدولة. ثم بعد جولة حول العالم استغرقت ثلاثة أشهر، زار خلالها العديد من دول العالم، عاد إلى عُمان عام 1964م. إثر ذلك، وعلى مدار ست سنوات، تعمق في دراسة الدين الإسلامي، وما يتصل بتاريخ وحضارة سلطنة عُمان. وبعد نضج رؤيته الإصلاحية لأحوال عُمان تصادم مع والده السلطان سعيد بن تيمور فأزاحه عن الحكم بغية وضعها موضع التنفيذ، مستفيدا من النزعة الإصلاحية لعمه طارق بن تيمور، والد السلطان الجديد هيثم بن طارق بن تيمور.

[3]نبيل البكيري، العربي الجديد، عمان ومرحلة مرتقبة، 15 يناير 2020، شوهد في 17 يناير 2020.  https://2u.pw/RzTyE

[4]– عمان لا ترى مجال للوساطة بين أمريكا وإيران في الوقت الراهن، رويترز، 8/1/2020: https://2u.pw/nlQRk

[5]– حمد بن جاسم: هذا ما تعلمته من السلطان قابوس، عربي 21، 12/1/2020: https://bit.ly/30ETQKH

[6]– هكذا خططت أبوظبي، قناة العالم، 18/7/2018: https://bit.ly/377WXNA

[7]– الإمارات وعمان صراع مكتوم في اليمن، الجزيرة نت، https://bit.ly/2THY2rL

[8]– نبيل البكيري، مصدر سبق ذكره.

[9]GIF’s Annual Forecast 2020, Gulfif, 1/1/2020: https://2u.pw/6EJjB

منتدى السياسات العربية

وحدة الأبحاث والسياسات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى