مذكرتا التفاهم والتنافس الدولي على ليبيا

اقرأ في هذا المقال
  • تعدد الدول المنافسة على المشهد الليبي وانقسامها هو إضعافٌ لفرص التسوية السلمية في ليبيا، ويلاحظ أيضاً التقارب بين هذه الدول على رفض الاتفاق التركي-الليبي

تكشف مذكرتا التفاهم التركية-الليبية في 27-11-2019 عن ديناميكيات العلاقات الدولية وشبكة المصالح في البحر المتوسط، كما انه لا تكمن أهميتهما في الكشف عن تعزز الدور التركي على الساحة الليبية فقط، بل تذهب لإبراز أبعاد التنافس الدولي حول ليبيا ومنطقة شرق المتوسط. الأمر الذي يثير الجدل حول تداعيات المواقف الدولية تجاه الأزمة في ليبيا من ناحية، ومعركة ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط من ناحية أخرى. ولعل مناقشة التوجهات الدولية والإقليمية يساعد في فهم المسارات المتوقعة للصراع في ليبيا.

أ ) التوجهات العامة لإطار التفاهم التركي-الليبي

تعد الاتفاقية الأمنية امتداداً لمذكرة تفاهم تم توقيعها في 4 أبريل 2012،  وتشمل تعاونا في المجالات الأمنية والعسكرية، وحسب المادة الرابعة، يتم تشكيل قوة استجابة سريعة، تتمثل مهمتها في نقل الخبرات والدعم التدريبي والاستشاري والتخطيط والتزويد بالمعدات من الجانب التركي، بالإضافة الى الجاهزية لإنشاء مكتب مشترك على الأراضي الليبية بغرض التعاون  في مجالات الأمن والدفاع والتدريب و مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

وتشير الخرائط إلى أن التفاهم التركي-الليبي سوف يترتب عليه تغير في الخرائط الخاصة بالأطراف الأخرى، إذ يحدث ذلك تغيرا واضحا على التصورات اليونانية، حيث يمنعها من التواصل مع الحدود البحرية لقبرص، خاصة إذا ما تم أخذ الامتيازات التي حصلت عليها أثينا من القاهرة بعين الاعتبار. وتشكل هذه النتيجة التحدي الرئيس للاتفاقيات السابقة حول تقسيم المنافع الاقتصادية في البحر المتوسط.

تشكل مذكرة التفاهم الأمني متغيراً هاما في العلاقات التركية-الليبية، حيث تضع إطارا قانونيا للتعاون العسكري والتدريب لتكوين قوات الأمن، الأمر الذي يماثل الاتفاقيات الليبية مع بريطانيا والأردن لتدريب الجيش والشرطة، مما يساعد على إعادة ترتيب الأنماط الأمنية والعسكرية لحكومة الوفاق والقوى السياسية في المنطقة الغربية.

وينصرف تأثير هذا التوجه من ناحيتين؛ الأولى، أنه يساعد على دعم النواة المركزية لحكومة الوفاق، ومساندة  الوحدات العسكرية والأمنية، وتوفير الإمداد المناسب لقوات الحكومة، وهو ما تكمن أهميته في دعم العمليات العسكرية الراهنة في ضواحي طرابلس؛ أما الناحية الثانية، فتتمثل في إبراز أنقرة كطرف مكافئ لتدخل الأطراف الأخرى، ويأتي ذلك بعد فترة طالت فيه هيمنة قوى أخرى على الملف الليبي. كما تظهر أهمية تصاعد الدور التركي بالتزامن مع مراجعة السياسة الأمريكية، وإعلان تأييدها للتقدم في العلاقة التركية-الليبية.

بالنسبة لليبيا، يبدو التفاهم الأمني والبحري ذات أهمية كبرى خاصة فيما يتعلق في المساندة المتبادلة بين جانبي السيادة البحرية والسياسات الأمنية والدفاعية، فمن جهة، أثارت التطورات الجديدة النقاش حول الحقوق البحرية لليبيا وأهيمتها في تحقيق المصالح الاقتصادية والأمنية، ومن جهة أخرى، فإنها تساعد ليبيا على الحصول على الدعم الأمني والعسكري بشكل يساعد على إعادة بناء الجيش والنظام الأمني. بكلمات أخرى، سوف يؤدي التفاهم التركي-الليبي إلى تصحيح حالة الاختلال في الدعم الدولي للأطراف الليبية.

السياسة التركية

وفي سياق الحديث عن مضمون مذكرة التفاهم، ترى تركيا أنها تؤسس لمهام تدريبية وتعليمية، بالإضافة الى سعيها لتطوير إطار قانوني للتعاون الثنائي وتعزيز العلاقات بين الجيشين التركي والليبي من أجل حماية السيادة البحرية. أما على الجانب الليبي، فتغطي مذكرة التفاهم جميع الجوانب الأمنية، وخاصة مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية وتبادل المعلومات الأمنية.

وقد أعلنت الخارجية التركية أن مذكرة التفاهم حول الحدود البحرية تستند للقانون الدولي من ناحية التمييز ما بين الحقوق الاقتصادية للسواحل البرية من جهة، والجزر من جهة ثانية، حيث يكمن الخلاف اليوناني-التركي في أساس تفسير القانون الدولي. في الوقت الذي تستند اليونان فيه على قاعدة خط المنتصف في عملية ترسيم الحدود البحرية، ترى تركيا أن قاعدة التناسب (نسبة لطول السواحل) أولى بالتطبيق. القاعدة الأخيرة، شكلت اساس التفاهم حول ترسيم الحدود بين تركيا وليبيا، ويرتبط هذا الجدل بتفسير المادتين (46، و49) من قانون البحار، حيث تُمنح الجزر منطقة اقتصادية خالصة تبدأ من مسافة مماثلة للجرف القاري وبحد أقصاه 147 ميلا بحرياً. وهنا  يبرز موطن الخلل، إذ لا ينص القانون على قاعدة حاسمة يمكن البناء عليها في تحديد المنطقة الاقتصادية، لكن مضمونه يشير إلى أن الأصل قائم على قاعدة التناسب في ترسيم الحدود البحرية، بحيث تكون الأولوية لإقليم الدولة المتصل أكثر بكثير من الجزر التابعة.

وفي ظل التطورات الإقليمية، تبدو السياسة التركية أشبه برد فعل على توجه اليونان ومصر وقبرص وإسرائيل لإنشاء منتدى شرق المتوسط للغاز وترسيم الحدود البحرية بشكل يضر بالمصالح التركية. وعلى هذا تتأسس المقاربة التركية الرافضة لصعود توجه إقليمي يستبعدها من اتفاقيات تقاسم موارد الطاقة، ووضعها تحت الأمر واقع، واستناداً لتعريف يمنح جزيرة ” كاستيلوريزو” سيادة بحرية على الساحل التركي. لهذا بدأت أنقرة في التحرك لتعزيز موقفها من الاتفاقيات القائمة بين دول المتوسط. ففي فبراير 2018، أعلنت تركيا رفضها للاتفاقيات الموقعة بين مصر وقبرص، واتجهت للتنقيب في النطاق البحري لقبرص التركية بالرغم من اعتراض الاتحاد الأوربي واليونان.

وفي هذا السياق، تحاول تركيا ؛ أولا، تطوير موقفها القانوني والفعلي في البحر المتوسط ودعم حكومة الوفاق، وفي هذا السياق، بدأت في اتخاذ إجراءات لنشر السفن البحرية حسب الخرائط المضمنة في الاتفاقية، كما صرحت عن استعدادها لتوفير الدعم العسكري لليبيا؛ ثانيا، بناء موقف إقليمي تكون مهمته إسناد ودعم حكومة الوفاق من ناحية وتطوير الحل السياسي من ناحية أخرى، وهنا يمكن تناول زيارة الرئيس التركي أردوغان لتونس في 24 ديسمبر، كبداية لمرحلة جديدة تسودها لغة الحل السياسي، حيث يشير الخطاب المشترك لوجود رغبة في تعزيز الحوار الوطني بين القوى الليبية المختلفة ووقف إطلاق النار.

ب ) تعقيدات  الموقف الليبي

تنظر ليبيا للتعاون الأمني كخطوة ضرورية تمكن حكومة الوفاق من بسط سيطرتها على الأراضي الليبية ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. غير أن ما يميز بين الطرفين، التركي والليبي، أن تركيا تعمل بوحدة الحكومة والدولة، في ظل حالة نزاع على السلطة والموارد تشهدها الساحة الليبية. لذلك يبدو الاصطدام بتحديات كثيرة واردا، ولعل تحركات الأطراف الأخرى، كرئيس مجلس النواب ومحاولات الاستعانة بدعم الدول المساندة لحفتر شاهدا على ذلك. وقد كان من اللافت أيضا إعلان مدن ليبية رفضها للاتفاق، الأمر الذي يتطلب حاجة ضرورية للمسارعة نحو حل سياسي أو لحسم الموقف عسكريا.

وعلى جانب آخر، أعلن وزير خارجية الحكومة المؤقتة خلال زيارته لفرنسا، عن عدم وجود قوات أجنبية في ليبيا، واشار لتطلع بلاده للتطبيع مع إسرائيل بعد تسوية القضية الفلسطينية، وفقا لما نشرته صحيفة معاريف. وتأتي هذه التصريحات بالتزامن مع إعلان مذكرة التفاهم مع تركيا، كمحاولة للدخول على الأزمة من باب التقارب مع إسرائيل وتوثيق التحالف مع فرنسا، و ذلك لإضعاف المكانة الدولية لحكومة الوفاق. وقد ثار الجدل حول شرعية حكومة الوفاق في التوقيع على الاتفاقات، خاصة في ظل انسحاب أعضاء من مجلس الوزراء.

ج ) مصر ودورها في ليبيا

بدا موقف الخارجية المصرية رافضاً عندما أعلنت إدانتها لتوقيع تركيا ورئيس مجلس الوزراء الليبي، فايز السراج، مذكرتيّ التفاهم في مجالي التعاون الأمني والمناطق البحرية، ورأت أنها معدومة الأثر القانوني، وذلك استناداً للمادة الثامنة من اتفاق “الصخيرات” والتي تحدد اختصاصات الحكومة الليبية وشرط اجتماع كل أعضائها لإضفاء المشروعية على القرارات الصادرة عنها، في ظل تأكيد الموقف المصري على أن نقص عضوية المجلس الرئاسي يمثل خللاً جسيماً في تمثيل المناطق الليبية بشكل يجعل الحكومة منقوصة الصلاحية وغير مؤهلة لعقد اتفاقيات مع طرف دولي آخر.

وقد خلصت مصر إلى عدم تأثير هذه الاتفاقية على أي طرف ثالث، وأنه لا يترتب عليها أي تأثير على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط، أو تعيين الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط. ولدعم هذا التوجه، عقدت وزارة الخارجية عدة اجتماعات مع شخصيات ليبية ويونانية، كما استقبلت مصر في، 3 ديسمبر 2019، نائب رئيس المجلس الرئاسي “فتحي المجبري”، وبغض النظر عن محتوى اللقاء والهدف منه، يمكن تفسير آثار احتفاظ “المجبري” بموقعه في المجلس الرئاسي على نحو امتناعه عن حضور جلسات المجلس رغم استمرار عضويته، وهو ما يعتبر نوعاً من التغَيب وليس انعدام الصلاحية، وفي هذه الجزئية تحاول القاهرة إثبات نقص أهلية المجلس الرئاسي، لكنه ووفقاً للاتفاق السياسي، يكون القرار نافذا باجتماع أغلبية الأعضاء على أن يكون منهم رئيس المجلس، وباستثناء “المجبري” و”القطراني” يجتمع خمسة أعضاء من إجمالي تسعة.

كما أكدت على استمرار علاقة التحالف الاستراتيجي بشكل يعكس الرغبة في دعم مسار منتدى شرق المتوسط، وليس فقط العلاقات الثنائية، وما يتعلق بمذكرة التفاهم التركية-الليبية.

والى جانب هذه التحركات، استقرت السياسة المصرية على تأكيد عدم مشروعية الاتفاق التركي-الليبي، ومساندتها لمجلس النواب الليبي باعتباره السلطة الشرعية. وفي هذا السياق، يمكن تفسير تصريح وزير الخارجية بأن مذكرة التفاهم لاتمس المصالح المصرية، من جانبين؛ الأول، هو أنه لايوجد نزاعا قانونيا مباشرا مع مصر، ولذلك تبدو غير معنية بلآثار القانونية المترتبة عليها؛ والثاني، يتمثل في أن القاهرة لاترى وجاهة قانونية، لأن حكومة “الوفاق” تحظى بالحق القانوني في التوقيع، ولذلك تعتبر الاتفاقية غير قائمة، ووفق التصرفات المصرية، منذ توقيع تركيا وليبا على مذكرة التفاهم، يبدو التفسير الثاني الأقرب للتلاقي مع الواقع، حيث يذهب التناول المصري لسرد الحجج القانونية التي تجرد التصرف الليبي من مشروعيته.

د ) غياب الأمم المتحدة

لم تأخذ خطط الأمم المتحدة طريقها لرسم ملامح الحل السياسي أو وقف الحرب، وكان ذلك ظاهراً منذ اندلاع حرب طرابلس، إذ اكتفى مجلس الأمن بإصدار بيانات صحفية عن الوضع الأمني في ليبيا، في ظل التأكيد على دعم الممثل الخاص لبعثة الأمم المتحدة للدعم الدولي، وتفعيل توصيات المؤتمرات الدولية؛ باريس في مايو 2018؛ وفي باليرمو في نوفمبر 2018؛ وأبو ظبي في فبراير 2019.

وحسب بيان المجلس، 2 ديسمبر 2019، كانت مصادر القلق متمثلة في خروقات حظر التسليح وتزايد مشاركة المرتزقة. وفق هذا البيان، يمكن القول، أن اعتماد الأمم المتحدة على نتائج المؤتمرات الدولية وحوارات حفتر والسراج في أبو ظبي، توضح جانباً كبيراً من عدم جدية المنظمة الدولية، بسبب تغاضيها عن فشل كل تلك المؤتمرات والاجتماعات في بناء موقف مشترك، بل على العكس، بدا التنافس واضحاً في اجتماع باليرمو بين الدول الإقليمية.

هـ ) الاتحاد الأوربي وتنتاقضاته

يركز الخطاب السياسي الأوربي على أهمية وقف إطلاق النار واستئناف الحوار السياسي وفق مقترحات الأمم المتحدة كحل وحيد لإعادة بناء سلام واستقرار وأمن ليبيا، لذلك يرى الاتحاد الأوربي أهمية دعم مؤتمر “برلين” للخروج بحل سلمي للصراع يحفظ سيادة الدولة.

تشير بيانات الاتحاد الأوربي بشكل مستمر الى التزام الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن بدعم الجهود الدولية، وهي تبدو على نحو بروتوكولي، وخصوصاً ما يرتبط بالمطالبة بوقف إطلاق النار، وذلك عندما يساوي بين المهاجمين والمدافعين عن العاصة، أو يضع الحكومة الشرعية والخارجين عليها في سلة واحدة. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى عدم إصدار  وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي تصريحاً يطالب “خليفة حفتر” بالانسحاب إلى المواقع ما قبل 4 أبريل 2019، الأمر الذي يفسر الطبيعة الرمزية والشكلية لمواقف المنظمة الأوربية.

ومنذ إندلاع المعارك حول طرابلس، لقيت حكومة الوفاق الليبية فتوراً من السياست الأوربية بشكل يعكس تجاهل الأوربيين للحكومة المعترف بها، في ظل استمرار اتصالات دول أوربا المستمرة مع “الحكومة المؤقتة”. وهو ما يعكس تناقضاً واختلافاً ما بين المواقف الجماعية على مستوى الاتحاد (ممثلية السياسة الخارجية والبرلمان الأوربي) وبين مواقف الدول، وهنا يمكن الإشارة لمواقف بريطاينا، وإيطاليا، وفرنسا وأخيراً اليونان التي تصرفت بطريقة ازدواجية عندما طردت السفير الليبي في بداية ديسمبر 2019، ثم استقبلت وزير خارجية حكومة شرق ليبيا.

يعد التباين بين مواقف المنظمات القارية والدول التابعة لها ظاهرة عامة، الأمر الذي ينطبق على الاتحاد الأوربي بشكل واضح، ولعل هذا ما يفسر إحباط حكومة الوفاق عند النظر لامكانية تكوين موقف أوربي مساند لوقف الحرب، كما يفسر ذلك توجهها لعقد اتفاقية مع تركيا كحل أخير للحد من تطلعات فرنسا والدول الغربية لوقف الحرب وفق الوضع الراهن.

و ) السياسة الأمريكية

1 – الولايات المتحدة وليبيا

تشهد الفترة الحالية جدلاً حول مدى التغير في السياسة الأمريكية تجاه ليبيا. فمنذ منتصف نوفمبر 2019، تتابعت اللقاءات الأمريكية-الليبية بشكل يوحي لوجود تحول في سياستها، وقد أفضت تلك الاجتماعات إلى التوجه نحو وقف الحرب في محيط طرابلس وانتقاد التدخلات الدولية فيها، واعتبرت التدخل الروسي غير مشروع، ويشكل تهديداً للمصالح الأمريكية فيها. وكان البيان المشترك، الأمريكي-الليبي،  14 نوفمبر 2019، قد تضمن إطاراً للتفاهم حول الحاجات والتهديدات الأمنية ووحدة ليبيا، وهو ما يقر بشرعية حكومة الوفاق. وفي سياق زيارة وزيرا الداخلية و الخارجية باشاغا ومحمد سيالة لواشنطن، تضمن البيان المشترك التعاون لمنع التدخل الأجنبي غير المبرر، وتعزيز سلطة الدولة الشرعية، ومعالجة القضايا الأساسية المسببة للصراع، كما تضمنت الزيارة التوصل لتفاهمات أمنية والدعوة  للانتقال للحل السياسي.

وبينما صدرت التصريحات الأمريكية بوقف إطلاق النار بعد اجتماع مع حكومة الوفاق بواشنطن، إلتقى وفدا أمريكيا بخليفة حفتر، 24 نوفمبر في شرق ليبيا، لمناقشة وقف الحرب والحل السياسي، وقد ضم الوفد نائب مستشار الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والسفير الأمريكي لدى ليبيا، والنائب الأول لمساعد وزير الخارجية للشؤون الدولية في وزارة الطاقة الأمريكية، ونائب مدير الإستراتيجية والمشاركة في أفريكوم، بحيث يمكن القول، أن تركيبة الوفد الأمريكي عكست ارتفاع مستوى التمثيل السياسي، بشكل يماثل اجتماعات واشنطن بممثلي حكومة الوفاق.

ويرجع  حرص الولايات المتحدة للتواصل مع حكومة الوفاق، لسير المعارك في المنطقة الغربية على خلاف التوقعات الأمريكية لإمكانية دخول حفتر للعاصمة، مما أدى إلى نتيجتين، فعلى المستوى الداخلي زادت حدة الأزمة، وخارجياً، تعززت الانقسامات في المواقف الدولية. لذلك يمكن تفسير الموقف الأمريكي كمحاولة لإعادة التموضع في السياسة الليبية، فبعد أن منحت “خليفة حفتر” فرصاً للسيطرة على ليبيا.

ويبدو أن الوقت لم يعد مناسباً لاستمرار موقفها في ظل تزايد تأثير تدخل أطراف دولية أخرى، حيث أشارت البيانات الأمريكية إلى أن هدف تحركها يتمثل في منع التدخل السافر للأطراف الأخرى. وفي هذا السياق، يمكن القول، أن التحركات الأمريكية هي محاولة أخرى لإنعاش تفاهمات حفتر والسراج في أبوظبي.

وبشكل عام، لايشير الموقف الأمريكي لتغيرات جوهرية حيث تقف السياسة الأمريكية دون طرح بدائل للخروج من الأزمة أو الدفع باتجاه وقف الحرب، فمن خلال تحليل البيانات المشتركة، يمكن القول، أنه في ظل عدم تبلور تصور سياسي، ستقتصر السياسة الأمريكية على منع التدخل الدولي مرة أخرى، وهو ما يساعد على تصنيف الموقف الأمريكي في إطار الحفاظ على الوضع القائم.

ومع تكرار هذه المواقف، يتضح أن الولايات المتحدة لاتسعى لتجاوز خليفة حفتر، وتسعى لإبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع كافة الأطراف. الأمر الذي يفسر التحركات الأمريكية كمساع لإحياء اتفاق “أبو ظبي”، مارس 2019،  ولإدماج حفتر في حكومة الوفاق ومنحه سلطات واسعة، كما تنسجم هذه التوجهات مع انخفاض مستوى جدية الطلب الأمريكي بوقف الحرب على العاصمة .

2 – الولايات المتحدة وروسيا

وجهت الولايات المتحدة انتقادات حول مشاركة مرتزقة روس في الحرب على طرابلس، حيث أشار بيان صادر عن ممثلين لدوائر صناعة القرار الأمريكي (وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، ووزارة الداخلية، ومجلس الأمن القومي، والمخابرات) لحالة من القلق مصدرها السياسة الروسية، حيث تنظر الولايات المتحدة لروسيا كمنافس محتمل في ليبيا، إذ يشير تصريح مساعد وزير الخارجية الأميركي، ديفيد شينكر، نشر روسيا عسكريين نظاميين بأعداد لافتة في ليبيا. وتجادل الولايات المتحدة بأن وجود المرتزقة الروس يعد مؤشراً على تزايد النفوذ الروسي، وهو ما يغلب عليه الطابع الدعائي، إذ لم تشر التغطية الإخبارية أو التصريحات السياسية لوجود علاقة مباشرة بين الكرملين وتوافد مرتزقة الحرب على ليبيا، كما لم تكشف تقارير لجنة الخبراء عن وجود أسلحة روسية لدى أي من الأطراف الليبية.

3 – الولايات المتحدة ومذكرة التفاهم

بعد مرور شهر على الاتفاقية التركية-الليبية، أبدت الولايات المتحدة قلقها إزاء طلب حكومة الوفاق الدعم العسكري، وتهديد القوات المسلحة العربية الليبية التابعة لحفتر، ووفقاً للبيان الأمريكي، يرجع القلق إلى أن هذه التطورات تهدد أفق حل الصراع، بالإضافة الى قلقها من تعدد التدخلات الدولية بشكل يعقد دورها.

وقد اعتبرت الولايات المتحدة أن إطار التفاهم التركي-الليبي استفزازياً ولايساعد على الاستقرار، بل ويزيد من حدة التوتر في شرق المتوسط. كما يمكن تفسير موقفها كجهة غير معنية بالتدخل، وإنما داع كافة الأطراف للامتناع عن اتخاذ مواقف تؤدي لمزيد من المخاطر. وقد ركز الانتقاد الأمريكي للسياسة التركية  على الاتفاق البحري، الأمر الذي يشير إلى أن اهتمامات الولايات المتحدة مرتبطة بقضية السياسة البحرية وليس الوضع في ليبيا.

ز ) روسيا وعودة للتدخل

منذ البداية،  ظلت السياسة الروسية منفتحة على كل الأطراف الليبية طيلة الصراع المسلح، واستقبلت وفوداً مختلفة وممثلة للطرفين بهدف الحصول على دعمها السياسي والعسكري، وهذا ما يتسق مع مسار السياسة الروسية منذ بدء عمليات التدخل الدولي في 2011، عندما وقفت على الحياد وامتنعت عن التصويت ضد قرارات مجلس الأمن، 1970 و 1973.

ومع ظهور حفتر على المسرح السياسي وبدء عملية “كرامة ليبيا” في 2014، وحصوله على دعم مباشر من فرنسا ومصر والإمارات العربية والسعودية، اتجه للحصول على دعم من روسيا، ومع اقترابه من طرابلس حدثت تغيرات في الموقف الروسي، مما دفع لإعادة تقييم موقفها المتسم بقربه للحياد تجاه الأزمة الليبية. اعتبرت موسكو الوقوف عند إصدار قرار دولي لوقف الحرب لايحل الأزمة السياسية، وكان في ذلك الخطوة الأولى لبروزها كطرف دولي في مجلس الأمن يبحث عن مصالحه في ليبيا والبحر المتوسط.

ومع انتقال التنافس الدولي حول ليبيا خارج مجلس الأمن، اتجهت روسيا للبحث عن بدائل أخرى عبر إمكانية طرح “سيف القذافي” ضمن الحلول السياسية للأزمة، باعتباره مستنداً على دعم كتلة النظام السابق والتي تشكل ركيزة اجتماعية يمكن البناء عليها، فهذا الخيار رغم ضعف فرصه، إلا أنه يشكل محاولة جادة لترتيب الدخول على خط الصراع دون التقيد بالقوى الليبية المطروحة إقليمياً ودولياً، كما يساعد على إعادة رسم الخريطة السياسية في ليبيا.

خاتمة

يلاحظ انقسام المواقف الدولية حول الوضع في ليبيا، لكنه من الملاحظ أيضا التقارب في رفض الاتفاق التركي-الليبي. إن في تعدد الدول المتنافسة على المشهد الليبي إضعافا لفرص التسوية السلمية، وذلك لاستناده على قاعدة الإزاحة والإضعاف لمبادرات مساعدة الليبيين للانتقال لبناء الدولة. يضفي هذا الوضع تعقيدات كثيرة على التعامل الدولي مع حالة الحرب الأهلية في المنطقة الغربية، ضواحي طرابلس، وهنا تبدو الأهمية النوعية للتدخل الدولي المباشر برياً عبر نقل جنود ومعدات لمناطق القتال.

في هذا السياق، يتضح أن السياسة الأمريكية والأوربية تعمل على مسارين؛ التأكيد على التواصل مع كل الأطراف الليبية وبدعوة غير ملزمة لوقف إطلاق النار؛ وفي ذات الوقت توجه انتقادات لوصول السلاح لليبيين بطرق “غير شرعية”. بالرغم من الانتقادات الأمريكية إلا انها غضت الطرف عن الدعم الروسي الواضح في الهجوم على “طرابلس”، فمن الملاحظ أنه منذ الإعلان عن قلقها من “المرتزقة الروس”، زادت حدة المعارك وظهر المقاتلون الروس بشكل نظامي في إدارة المعارك. قد يكون تبادل الأدوار أحد مداخل التفسير للموقف الأمريكي، فمنذ بدء الهجوم في أبريل 2019، كان توجه مجموعة الاتصال (فرنسا، المملكة المتحدة، الإمارات، إيطاليا، ومصر، والولايات المتحدة) نحو تمهيد الوضع في ليبيا والموقف الدولي لتمكين حفتر من تحقيق انتصار سريع، بالتالي، فإن الدخول الروسي لهذا التحالف يعد داعماً إضافياً، وهو ما يفسر التغاضي الأوربي والأمريكي لبروز موسكو كطرف أساسي في الأزمة الليبية، كما تبدو توجهاتهم أكثر اهتماما بمشكلات شرق المتوسط، وهو نوع من تقسيم المهام الدولية.

وعلى أية حال، ظل تدخل الدول غير مباشر منذ نهاية أكتوبر 2011، لكن توجه تركيا للحصول على تفويض برلماني بالتدخل العسكري بغرض إحداث حالة من التوازن مع حالات التدخل الأخرى، يطرح إمكانية انتقال التدخل الدولي من مرحلة الدعم اللوجستي إلى المشاركة الفعلية والمباشرة في الحرب، بشكل يوسع من نطاق الصراع الدولي حول ليبيا.


المراجع

  • وزارة الخارجية الأمريكية، بيان صحفي، 21 ديسمبر 2019 .
  • وزارة الخارجية المصرية، بيــــان،  28 نوفمبر 2019.
  • وزير الخارجية سامح شكري يستقبل نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، 3 ديسمبر 2019.
  •  وزير الخارجية يستقبل نظيره اليوناني لبحث التعاون الثنائي والقضايا ذات الاهتمام المشترك…
  • الأحد 1 ديسمبر 2019.
  • مجلس الأمن الدولي، بيان صحفي صادر عن مجلس الأمن بشأن ليبيا، 2  ديسمبر 2019.
  • الحوار الاقتصادي الأمريكي-الليبي العاشر، سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، تونس : 16 ديسمبر 2019..
  • Libya: Statement of the Spokesperson on increased tension Brussels, 23/12/2019
  • statement on Libya by the Governments of France, Italy, the United Arab Emirates, the United Kingdom, and the United States, April 8, 2019.

 

 

د. خيري عمر

مستشار منتدى السياسات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى