المغرب: بين ترسيم الحدود البحرية واسترجاع سبتة ومليلية

اقرأ في هذا المقال
  • أمام التعنت الإسباني من جهة، والإصرار المغربي على استعادة المدينتين واستكمال وحدته الترابية من جهة أخرى، إلى أي مدى يبقى خيار المقاومة المشروعة هو الحل الوحيد أمام المغرب



 

تجمع المغرب وإسبانيا علاقات تاريخية وجيوسياسية إضافة إلى علاقة الجوار، حيث تبلغ المسافة الفاصلة بين البلدين 14 كيلومتر فقط، وتتسم علاقة الجوار هذه بالحذر بسبب قضية مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين المحتلتين من قبل إسبانيا، إذ تعتبر القضية أحد مسببات الأزمة في العلاقة، وتبدو الحساسية جلية كلما أعلن المغرب نيته استعادة المدينتين، أما في ما يخص العلاقات الجيوسياسية بين البلدين، فإنها تتسم بالتوتر الذي طالما نشب بين الرباط ومدريد حول مسألة ترسيم حدود المياه البحرية بينهما، خاصة بعدما تأكد وجود احتياطات هامة من الثرواث الطبيعية في عمق تلك المياه.

سبتة ومليلية جغرافية مغربية وسيادة إسبانية:

تقع مدينة سبتة في أقصى شمال المغرب على البحر الأبيض المتوسط وقد تعاقب على احتلالها البرتغاليون منذ عام 1415 يليهم الإسبان عام 1580.  أما مليلية الواقعة في الشمال الشرقي للمغرب، فتديرها إسبانيا منذ عام [1]1497، وتتمتع المدينتين حاليا بصيغة للحكم الذاتي داخل إسبانيا.

تواصل إسبانيا تأكيدها على أن سبتة ومليلية أرضا اسبانية منذ تاريخ يسبق تاريخ المغرب بصفته دولة، الأمر الذي يدحضه المغرب ويؤكد أن وضع سبتة ومليلة يشبه وضع صخرة جبل طارق، الأرض الإسبانية الخاضعة للسيادة البريطانية والتي ما فتأت إسبانيا تطالب بإسترجاع السيادة عليها.

موقف البرلمان المغربي:

صوت البرلمان المغربي، يوم الأربعاء 24 يناير 2020، على مشاريع قوانين لبسط السيادة المغربية على المياه الإقليمية، وتحدد هذه القوانين المجال البحري الذي يقع تحت السيادة المغربية على واجهتي البحر الأبيض المتوسط –الذي يضم المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية- والمحيط الأطلسي، بما في ذلك مياه سواحل الصحراء، حتى الحدود مع موريتانيا[2].

وقد أقدم البرلمان المغربي على ذلك في محاولة منه لتحديد المجالات البحرية للمغرب لتتماشى مع القانون الدولي للبحار، وإدراج المنطقة الاقتصادية الخالصة ضمن المنظومة القانونية المغربية. ليصبح المجال البحري المغربي من مدينة السعيدية شرقا إلى الكويرة غربا، بدل انحصاره في مدينة طرفاية كما في السابق.

تكمن أهمية عملية ترسيم الحدود في المياه الاقليمية بأنها تساعد المغرب في إثبات سيادته الوطنية، في مياهه الإقليمية، وبالتالي تضمن سيادة المغرب على البحر، الأمر الذي ينطبق على المدينتين المحتلتين، لأن الترسيم يطالهما بشكل مباشر. أمام هذا الوضع الجديد، استغل البرلمان المغربي حدث الترسيم وطالب باسترجاع المدينتين السليبتين. وتأتي المطالبة بالمدينتين في سياق السعي لاستكمال مسلسل بسط سيادة المغرب على كافة مجالاته البحرية المتوسطية. كما يساهم ذلك في تحديد أكثر دقة للمجالات البحرية الخاضعة للسيادة المغربية.

خصوصا أن إسبانيا ما فتأت في كل مناسبة تؤكد على أن السيادة والطابع الإسباني لسبتة ومليلية ليسا مطروحين للنقاش مع المغرب في أي شكل من الأشكال. رغم تجديد البرلمان والحكومات المغربية المتعاقبة دعوتها باستعادة سبتة ومليلية المحتلتين.

  1. رؤية المغرب لترسيم حدوده:

تأتي المصادقة على هذه القوانين بعد خطاب لملك المغرب نبه فيه على أن وسط البلاد ليس مدينة الرباط، وإنما مدينة أكادير. بمعنى أن المغرب كل لا يتجزأ، وكانت هذه بمثابة إشارة غير مباشرة على نية المغرب بسط نفوذه على مياهه البحرية وترسيم حدوده، ويأتي تبني هذه القوانين بعد عاصفة من الضغوط الإسبانية المتواصلة على المغرب أدت إلى تأجيل التصويت عليها في أواخر عام 2019.

وعلى الصعيد الجيو-سياسي، تبقى مسألة ترسيم حدود المياه البحرية بين المغرب وإسبانيا من المسائل التي طالما أثارت توترا بين الرباط ومدريد منذ عام 2001؛ خصوصا بعد عمليات الاستكشاف، والتأكد من وجود احتياطات هامة من الغاز والنفط في عمق تلك المياه، خاصة أن سواحل البلدين متجاورة، إذ تبعد جزر الكناري الإسبانية في المحيط الأطلسي أقل من 100 كيلومتر عن سواحل المغرب الجنوبية و14 كيلومتر عن السواحل المتوسطية.

 أما فيما يتعلق بمسألة الترسيم، فقد أصبح المغرب اليوم قوة إقليمية بعد عودته إلى الإتحاد الافريقي، في الوقت الذي يطمح إلى النهوض بوضعه الاقتصادي من خلال تعزيز علاقات اقتصادية قوية مع مجموعة غرب إفريقيا من ناحية، ومن خلال مشروع أنبوب الغاز الذي سينطلق من نيجريا إلى المغرب من ناحية أخرى. بمعنى أنه ومع تغير المصالح الاقتصادية من الطبيعي أن تعمد الرباط إلى تغير المعطيات الميدانية أيضا.

من جانب آخر تعتبر مدينتي سبتة ومليلية إحدى مخلفات المجابهة بين المغرب وإسبانيا في فترة الحروب الصليبية، ولعل إسبانيا كانت تتطلع إلى احتلال هاذين الثغرين وتحويلهما إلى قلعة ضد التمدد المغربي نحو أوربا؛ مستذكرة عبور طارق بن زياد من مدينة سبتة لفتح الأندلس. وقد حاول المغاربة في القرون التالية لاحتلال المدينتين استعادتهما من القبضة الإسبانية، ولكن دون جدوى. وهكذا ظلت تدفع المدينتين ثمن موقعهما الجغرافي على الواجهة بين أوروبا وإفريقيا.

وظلت الحكومات الإسبانية، طيلة السنوات الماضية، ترفض الاعتراف بمغربية سبتة ومليلية؛ لأن ما يتعلق بالمدينتين بقي من اختصاص المؤسسة العسكرية الاسبانية كخط أحمر لم يكن من المسموح للحكومات المتعاقبة تجاوزه أو حتى إعادة النظر فيه.

بالإضافة إلى ذلك، لم يمارس المغرب ضغطا كبيرا في سبيل استرجاع المدينتين، بسبب عدم قدرته على فتح جبهتين في وقت واحد؛ الأولى في الجنوب ضد جبهة البوليساريو والجزائر، والثانية في الشمال ضد اسبانيا[3].  خاصة في ظل إدراك القيادة المغربية، ونتيجة لتطورات مختلفة، أن ملف المناطق المغربية المحتلة قد يكون سببا للنزاع العسكري بين البلدين، الأمر الذي يهدد أمن المنطقة، وهو ما يتخوف منه الطرفين. لهذا يبدو أن التفاوض بشأن مستقبل سبتة ومليلة بين المغرب واسبانيا سيبقى مؤجلا إلى حين.

  1. أوراق الضغط المغربية:

دائما ما يثير المغرب قضية المدينتين المحتلتين في كل مناسبة. ونظرا لحساسية الموقف، يتراجع عن إثارة الموضوع اعتبارا للموقف الإسباني منه بقضية الصحراء والتي لم تعرف حلا نهائيا بعد. كما تعتمد الرباط على الدعم الإسباني الرسمي في قضية حل النزاع عبر منح الصحراويين حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية، ويكون قريباً مما هو معمول به في الأقاليم الإسبانية، مثل إقليم كاتالونيا. هذا إضافة إلى وجود جالية مغربية كبيرة في إسبانيا تتجاوز المليون شخص، حيث يخشى المغرب أن ينعكس أي توتر في العلاقات على هذه الجالية مما يلقي عليه عبئاً إضافياً هو في غنى عنه.[4]

من جانب آخر ورغم أهمية قرار البرلمان المغربي فيما يخص وحدة المغرب، إلا أنه غير كاف، إذ يتطلب أدوات أخرى كالدبلوماسية، ليكون أكثر فاعلية وأكثر دينامية ونشاطا، ومن خلال الإستفادة من نفس التوجهات السياسية بين الأحزاب المغربية مع نظيراتها الإسبانية للضغط في اتجاه المطالبة بأحقية تحرير سبتة ومليلية.

كما يجدر العمل على دعوة فرق برلمانية إسبانية إلى المغرب ومحاورتها سعيا لإقناعها بأحقية المغرب في استرجاع المدينتين المحتلتين[5]. ويتحتم على السلطات في الرباط أن تطالب مدريد بفتح حوار جدي حول مستقبلهما، على غرار ما حصل في مسألة هونغ كونغ بين بريطانيا والصين، وما يحصل الآن بين بريطانيا واسبانيا حول جبل طارق. ويمكن الانطلاق من منطق الحوار حول جبل طارق عند التطرق لسبتة ومليلية، لأن في ذلك أرضية جيدة للإقناع والكشف عن الازدواجية في الموقف الإسباني.

ويأتي إقرار هذا القانون كنوع من التنبيه لإسبانيا كي تستحضر مصالحها المشتركة مع المغرب، ولتأخذ الحقائق الاستراتيجية والجيو-سياسية الجديدة في المنطقة بعين الاعتبار، إذ تأتي عملية الترسيم في سياق يجعل من تجاهل حق المغرب في استرجاعهما أمرا لا يساير روح العصر، ولا يراعي علاقات حسن الجوار والشراكة الاستراتيجية بين المملكتين المغربية والإسبانية. لأن تصفية استعمار المدينتين يمثل إجراء عادلا من وجهة نظر الديموقراطية ومناهضة للاستعمار.

خاتمة:

فرض المغرب سياسة الأمر الواقع على إسبانيا عبر سن قوانين ترسيم الحدود ومطالبته باسترجاع مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين رغم رفض مختلف القوى السياسية الإسبانية، وحثها على مواجهة خطوة البرلمان المغربي.

لا يعتبر موقف المغرب بشأن استرجاع سبتة ومليلية موقفا جديدا، لهذا ينبغي على المغرب والدبلوماسية البرلمانية المغربية أن تصبح أكثر فاعلية وأكثر دينامية ونشاطا في تفعيل الموقف، وأن تسعى لإقناع القوى الإسبانية المختلفة أنه آن الأوان لتصفية الملف بما ينسجم مع استعادتهما للحضن المغربي.

وأمام التعنت الإسباني من جهة، والإصرار المغربي على استعادة المدينتين واستكمال وحدته الترابية من جهة أخرى، إلى أي مدى يبقى خيار المقاومة المشروعة هو الحل الوحيد أمام المغرب وفقا لمبدأ ما أخذ بالقوّة لا يستردّ الاّ بالقوة؟

المصادر والمراجع:

[1] Cécile Jandau, Ceuta et Melilla : deux enclaves espagnoles au Maroc sous haute tension, 25/07/2017, De:https://2u.pw/GwZlZ

[2]  بعد تصديق البرلمان… ترسيم الحدود المغربية ينذر بأزمة بين 4 أطراف، عربي سبوتنيك، 23.01.2020، على الرابط: https://2u.pw/zEwUm

[3]  سبتة ومليلية: آخر جيبين “أوروبيين” في شمال أفريقيا، موقع bbc، 27 يوليو/ تموز 2018، على الرابط: https://2u.pw/QpfuL

[4]   محسن الندوي، أما آن الأوان لتحرير سبتة ومليلية ؟، الحوار المتمدن، 2010 / 8 / 16، على الرابط:  https://2u.pw/dGt2B

[5]  محسن الندوي، مرجع سابق.

زهير عطوف

باحث دكتوارة في العلاقات الدولية- المغرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى