هيبة غربي
باحثة في العلوم السياسية قسم العلاقات الدولية في جامعة قسنطينة.
مقدمة:
أدى التطور في مجال تقنيات الحاسب الآلي والإقبال المتعاظم على استخدام شبكة الانترنت في شتى مجالات الحياة، والتطور السريع المتلاحق في ميادين تقنيات وفنون المعلومات إلى الاعتماد تدريجياً على مفردات البيئة التكنولوجية بسرعة كبيرة، وقد أفرزت هذه التطورات العديد من المفاهيم الجديدة، منها: مجتمع المعرفة ـ الثورة المعلوماتية ــ الثورة التكنولوجية – التعليم الرقمي، وغيرها من القيم التي تُعبر عن التقدم التقني والتكنولوجي. وقد بدا العالم كأنه قرية صغيرة لا تفصل بين أجزائها أية حدود جغرافية أو حواجز مادية. وأمام هذا التطور السريع لم تجد الدول “الحكومات”، والمجتمعات “الأفراد” ملاذاً من الانخراط في التعامل بالوسائل التكنولوجية الحديثة، لما يترتب عنه من فوائد أهمها: تحسين جودة الحياة وتنفيذ المهام المختلفة بطريقة أسهل وأسرع بل وأكثر فاعلية، ونستطيع القول بأنّ الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال المتقدمة ــ بل صناعة التكنولوجيا وليس فقط استخدامها- لم يعد مجرد خيارٍ ترفيهيٍّ للدول النامية، إنَّما صار ضرورة من ضرورات هذا العصر الرقمي.
وقد تمخض عن ذلك بزوغ فكرة “التحول الرقمي” في الدول الصناعية الكبرى، ثم ما لبثت أن تبعتها الدول النامية، وانعكس هذا التحول على المجالات المختلفة، فبدأت الدول في تطبيقه والاستفادة منه في مجالات عدة كالصحة والتعليم والصناعة والزراعة والاستثمار والإسكان والتراخيص والضرائب وغيرها، وهو ما نتج عنه زيادة الضغط على عملية التحول المجتمعي نحو الرقمية (1).
هذا التحول وما نتج عنه من تداعيات عديدة بسبب ظهور تهديدات وجرائم سيبرانية أصبحت تُشكل تحدياً كبيراً للأمن القومي وكذلك الدولي، لدرجة انّ العديد من الباحثين اعتبر الفضاء السيبراني بمثابة المجال الخامس في الحروب بعد البر البحر الجو والفضاء، وهو ما استدعى ضرورة وجود ضمانات أمنية ضمن هذه البيئة الرقمية، تبلورت بشكل أساسي في ظهور ما يعرف بـ “الأمن السيبراني -Cyber Security” كبعد جديد ضمن أجندة حقل الدراسات الأمنية. لذا أصبحت دراسة الأمن السيبراني واحدة من مستحدثات التطور التكنولوجي والرقمي الذي نعايشه في العالم مؤخراً، خاصة وأنّ الجانب المظلم لهذا التطور الرقمي يُمكن أن يجعل كبرى الدول والشركات والمؤسسات التجارية والاقتصادية مهددة بالاختراق(2).
تطرح الورقة التساؤلات التالية: كيف ساهم التحول الرقمي في تبني صياغات جديدة لمفهوم الأمن خارج سياقه التقليدي؟ وما مدى مساهمة الأمن السيبراني كبعد جديد ضمن أجندة حقل الدراسات الأمنية في تحقيق الأمن القومي الإنساني الدولي؟.
