الأنظمة التمثيلية للمرأة العربية في المؤسسات التشريعية بين ديمقراطية الواجهة والفاعلية السياسية: المغرب نموذجًا

الدكتور فؤاد أعلوان

أستاذ في القانون العام والعلوم السياسية
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس – المغرب


يُعدُّ إقرار نظام الحصص المحددة “الكوتا” في المغرب، منذ بداية الألفية الثالثة، إجراءً ضروريًا لتعزيز الديمقراطية من خلال الرفع من التمثيلية السياسية للمرأة. لكن تساؤلات كثيرة تطرح بخصوص فاعلية نظام “الكوتا” بشكله الحالي، ومدى قدرته على تأهيل المرأة وضمان حضور فاعل لها في المؤسسات المنتخبة ومراكز القرار بعيدًا عن الحضور الرقمي. اعتبارًا لذلك؛ تهدف هذه الورقة إلى التأكيد على أهمية تعديل نظام الكوتا الحالي، انسجامًا مع التطور الكبير الذي عرفته أنظمة الكوتا في مجموعة من الدول، وحتى تتجاوز مشاركة المرأة في الحياة السياسية حدود التسويق الخارجي للمغرب كدولة حديثة، ووفق مقاربة منهجية تعتمد أساسًا على المنهج الوصفي التحليلي، تخلص الورقة إلى ضرورة التخلّي عن نظام “المقاعد المحجوزة” الأقل إبداعًا وفاعلية، وتعويضه بكوتا حزبية إجبارية لا تقل عن الثلث مع اعتماد نظام التناوب بين الجنسين في وضع القوائم الانتخابية؛ حتى تشكّل النساء أقلية مؤثرة في المؤسسة التشريعية، في أفق تعميم نظام الكوتا الانتخابية ليشمل جميع مناصب المسؤولية ومختلف إدارات الدولة.

المقدمة:

لا يزال الجدل قائمًا حول مدى دستورية وفاعلية نظام الحصص المحددة “الكوتا” وقدرته على تأهيل المرأة وضمان حضورها الفعلي في مختلف المؤسسات المنتخبة ومراكز القرار؛ حيث يعتقد البعض أن نظام الحصص يسعى إلى القضاء على التمييز بتمييزٍ آخر بعد أن تحلَّ “عدم المساواة الرسمية” محلّ “عدم المساواة الفعلية”، بكيفية توحي بأن المرأة أقل شأنًا، وغير قادرة على تحقيق ذاتها إلى درجة يبدو معها “التكافؤ القسري” مهينًا في حقها1.

في هذا الإطار تؤكد آن روفييارد أن الكوتا النسائية قد تنجح في الوصول إلى مساواة رقمية، لكنها لن تفضي إلى تحقيق مساواة فعلية، كما لن يكون لها تأثير حقيقي على السلوك السياسي ولا على تحسين وضع النساء في أسفل درجات السلطة، فبالرغم من آثارها الرمزية، فهي ليست الطريق الأمثل لتحقيق المناصفة، وهي مجرد أداة لا يجب أن نتوقع منها بالضرورة أكثر مما تسمح به ميكانيكيًا2. وتؤكد في هذا الصدد الأستاذة “أوريلي دوديزيرت” أن مشكلة المساواة بين الجنسين مشكلة اجتماعية عميقة، متجذرة في الممارسات والثقافات، وأن حلها يتجاوز الآليات القانونية، ويتمركز أساسًا في التربية والتعليم والتوعية والحوار”3.

بالمقابل يعتقد مناصرو مبدأ “التمييز الإيجابي” أن نظام الكوتا يهدف أساسًا إلى تمكين المرأة من حريتها السياسية، أي القدرة على ممارسة حقوقها السياسية، وهو يستند في ذلك على “ترسيخ عدم المساواة من أجل تعزيز المساواة”. ويؤكدون أن نظام الكوتا إذا كان صحيحًا لا يمثّل حلًا نهائيًا لإشكالية مزمنة ومتجذرة في النفس البشرية؛ فهو بالمقابل إجراء مؤقت وفعال لتعزيز التنوع، على حد تعبير “دانيال صباغ”، وترسيخ الديمقراطية بشكل فعلي، ففي النهاية لا ديمقراطية دون نساء4.

وبرأي الكثيرين يعدّ إقرار نظام الكوتا (بأنواعه) في مجموعة من الدول إجراءً ضروريًا لضمان حضور فاعل للمرأة في المؤسسات المنتخبة ومراكز القرار، في ظل معيقات كثيرة تصبح معها منافسة المرأة للرجل أمرًا بالغ الصعوبة. وهي معيقات ثقافية؛ حيث ينظر للمرأة على أنها “كائن غير سياسي” غير قادر على اتخاذ القرارات الحاسمة والعقلانية ولا على تدبير الأزمات السياسية، وهي قناعات يتقاسمها أحيانًا الرجال والنساء5، وأخرى اقتصادية واجتماعية، فمثلًا حسب أرقام آخر إحصاء عام للسكان نُظّم بالمغرب عام 2014، بلغت نسبة الأمية في صفوف الإناث نسبة 42%، مقابل 22% فقط بالنسبة للذكور6، وحسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط لعام 2021، تُقارب نسبة البطالة لدى النساء المغربيات نسبة 17.5% مقابل 10.9% فقط عند الرجال7.

لكن إقرار الكوتا، كإحدى الآليات الأساسية للتمييز الإيجابي، لا يهدف فقط لتمكين المرأة من حريتها السياسية، ولا لتعويضها عن التأخير التاريخي الذي عرفته مشاركتها السياسية8، لكن أيضًا من أجل “إنقاذ الحياة السياسية”، فالمرأة قادرة على التغيير والتأثير في الحياة السياسة، وتحقيق التقدم الشامل، وهو ما نصّت عليه اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979 (سيداو) التي صادق المغرب عليها عام 1993، التي ربطت بشكل واضح بين تحقيق التنمية التامة، وضمان أقصى مشاركة ممكنة للمرأة في جميع المجالات. وفقًا لهذا بادر المغرب منذ عام 2002، على غرار أكثر من 120 دولة9، إلى إقرار نظام للكوتا يستمد شرعيته من مجموعة من الأسس القانونية؛ فعلى المستور الدولي، تسمح اتفاقية (سيداو) باتخاذ تدابير مؤقتة تستهدف التعجيل بتحقيق المساواة الفعلية بين المرأة والرجل، مع التنصيص أولًا على أن هذه الإجراءات المؤقتة لا تُعدّ تمييزًا، وثانيًا على وجوب وقف العمل بالتدابير المؤقتة عندما تكون أهداف التكافؤ في الفرص قد تحققت10. وفي نفس الإطار، ينصّ إعلان بكين للنهوض بالمرأة لعام 1995 على إقرار الكوتا النسائية، من خلال تأكيده على ضرورة اتخاذ الحكومات للتدابير اللازمة في النظم الانتخابية التي تضمن إشراك الأحزاب السياسية للمرأة في المناصب الانتخابية11. أما على المستوى الوطني، فإن الدستور المغربي يضمن المساواة بين الرجل والمرأة في الحريات والحقوق المدنية والسياسية، ويؤكد على سعي الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بينهما، كما ينصّ على سنّ “مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية”12، وهي المقتضيات التي أقرّت دستوريتها المحكمة الدستورية بعد أن صادقت على التدابير الخاصة بالتمييز الإيجابي المتضمنة في القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب13، معتبرةً أنها تخدم الغايات الدستورية المشار إليها أعلاه، كما تندرج في إطار “واجب النهوض” بتمثيلية النساء، مع التأكيد على الطابع الاستثنائي والمؤقت لهذه التدابير14.

تهدف هذه الورقة إلى تقييم حصيلة نظام الكوتا النسائية في المغرب بعد مرور حوالي عشرين عامًا على إقراره، والتحقق من حجم مساهمته الرقمية والفعلية في الرفع من التمثيلية السياسية للمرأة، كما تسعى إلى الإجابة على تساؤلات كثيرة تطرح بخصوص فاعلية نظام “الكوتا” بشكله الحالي، ومدى قدرته على ضمان حضور وازن وفاعل للمرأة في المؤسسات المنتخبة ومراكز القرار. ووفق مقاربة منهجية تعتمد أساسًا على المنهج الوصفي التحليلي، تناقش الورقة أهمية تعديل نظام الكوتا الحالي، ومدى إمكانية التخلي عن نظام “المقاعد المحجوزة” الأقل إبداعًا وفاعلية، وتعويضه بكوتا حزبية إجبارية في جميع القوائم الانتخابية تجعل من النساء أقليةً مؤثرةً داخل المجالس المنتخبة؛ وذلك انسجامًا مع التطور الكبير الذي عرفته أنظمة الكوتا في مجموعة من الدول، وحتى تتجاوز مشاركة المرأة في الحياة السياسية حدود التسويق الخارجي للمغرب كدولة حديثة؛ لأجل هذا سنعرج خلال المحور الأول على الأنظمة التمثيلية للمرأة العربية من حيث أنواعها واختلالاتها، وسنخصّص المحور الثاني لتقييم المشاركة السياسية للمرأة المغربية في ظل نظام الكوتا الحالي، فيما سنتطرق خلال المحور الثالث لاختلالات نظام الكوتا مقارنة مع بعض دول العالم النامية والمتقدمة، وسنعالج في المحور الأخير ضرورة تعديل نظام الكوتا النسائية والتدابير الواجب اتخاذها لضمان الانتقال من “ديمقراطية الواجهة” إلى الفاعلية السياسية.

  1. الأنظمة التمثيلية للمرأة العربية في المؤسسات التشريعية: الواقع والاختلالات

تعزيزًا لدولة القانون ومن أجل تطوير قواعد الممارسة الديمقراطية وتخليق الحياة السياسية، بادرت مجموعة من الدول العربية، خاصةً بعد الانتفاضات العربية الأخيرة، إلى الرفع من التمثيلية السياسية للمرأة عبر إقرار أنظمة تمثيلية خاصة بها؛ حيث تبنّت 14 دولة من مجموع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية (حوالي 64%) نظام الحصص المحددة “الكوتا” بأنواعه المختلفة15.

وإذا كانت أغلب هذه الدول -حوالي 10 دول من بينها المغرب- قد اختارت تبنّي “كوتا قانونية” عبر التنصيص على نظام الحصص المحددة في قوانينها الانتخابية والقوانين التنظيمية المتعلقة بمؤسساتها التشريعية (الغرف البرلمانية الأولى على وجه الخصوص)، فإن دولًا قليلة كانت أكثر جرأة بإقرارها لـ”كوتا دستورية”، على غرار مصر التي ينصّ دستورها الصادر سنة 2014 والمعدّل سنة 2019 على تخصيص حصص محددة لفائدة النساء، سواء تعلّق الأمر بالمجالس المنتخبة المحلية أو الوطنية، هكذا تؤكد المادة 102 منه على تخصيص ربع مقاعد مجلس النواب للمرأة. أما بخصوص الكوتا الطوعية أو الإرادية التي تتبناها الأحزاب السياسية الديمقراطية بشكل إرادي من أجل ضمان ترشيح عدد كبير من النساء في القوائم الانتخابية المقدمة، فإنه باستثناءات قليلة، مثل الجزائر16، فإن الحياة السياسية العربية تخلو لحد الآن من أحزاب ناضجة مؤمنة بالعدالة الاجتماعية ومبدأ تكافؤ الفرص، وقادرة على أخذ زمام المبادرة وإقرار كوتا نسائية طوعية على غرار دول نامية كثيرة في العالم.

لكن ما يعاب أكثر على الأنظمة التمثيلية للمرأة العربية في المجالس المنتخبة هو هيمنة نظام المقاعد المحجوزة «les sièges réservés» الذي يُعدّ نظامًا متجاوزًا؛ حيث تتبناه تسع دول في مقابل خمس دول فقط تتبنى نظام كوتا حزبية إجبارية؛ من بينها فلسطين وموريتانيا وتونس التي ضمنت فيها النساء تمثيلية في البرلمان في حدود %26.3 من مقاعده دون الحاجة لنظام “المقاعد المحجوزة”، وقد ساهم القانون الأساسي الانتخابي التونسي الصادر عام 2014 والذي جرى تعديله عام 2019 في تحقيق هذا الوضع، حيث نصّ على ضرورة تقديم الأحزاب للترشحات “على أساس مبدأ التناصف بين
النساء والرجال وقاعدة التناوب بينهم داخل القائمة”، مع التأكيد على عدم قبول القوائم التي لا تحترم هذا المبدأ17.

وإذا كان لا بدّ من الإقرار بالتقدم الملحوظ لحضور المرأة في المؤسسات التشريعية العربية خلال العشرية الأخيرة؛ حيث فسحت آليات الكوتا المجال أمام زيادة مستويات تمثيل المرأة في دول عربية كثيرة، مثل الإمارات التي استطاعت تحقيق المناصفة الكاملة بحصول النساء على 50% من مقاعد المجلس الوطني الاتحادي، فإن هذا التقدم وإن كان مطردًا فإنه يبقى بطيئًا ولا يتعدى حدود الحضور الرقمي؛ حيث لا تزال المرأة تشكّل أقلية غير مؤثرة في البرلمانات العربية بسبب تحديات كثيرة تجعلها بعيدة عن المشاركة في القرار السياسي، وتحول دون اضطلاعها بدور محوري في الحياة السياسية، ما يظهر بوضوح في محدودية مساهمتها في العمل التشريعي، وضعف حضورها وتأثيرها في اللجان البرلمانية الأكثر أهمية18.

  1. المشاركة السياسية للمرأة المغربية في ظل نظام الكوتا الحالي؛ أيّة حصيلة؟

منذ استقلال المغرب عام 1956 وإلى غاية بداية الألفية الثالثة كانت المرأة مجرد موضوع للسياسة، ولم تكن أبدًا فاعلًا فيه19؛ حيث اقتصرت مشاركتها لزمن طويل على التصويت فقط. هكذا لمدة ثلاثين عامًا، منذ أول انتخابات عام 1963، لم تتمكن أي امرأة من دخول البرلمان إلى غاية انتخابات عام 1993 حيث حصلت المرأة على مقعدين، وهو الوضع الذي كرسته أيضًا نتائج انتخابات عام 1997 بحصول النساء على مقعدين دون تغيير. وفي الحقيقة تأخرت المرأة المغربية كثيرًا في ولوج البرلمان مقارنة بدول عربية أخرى مجاورة مثل مصر (1957)، تونس (1959)، الجزائر (1962)، سوريا (1973)، موريتانيا (1975) والعراق (1980)20.

أمام هذه الوضعية بادر المغرب إلى إقرار كوتا نسائية تعتمد أساسًا على نظام “المقاعد المحجوزة”. وقد بدأت الكوتا مع الانتخابات التشريعية لعام 2002 بإقرار قائمة وطنية مخصصة للنساء محددة في ثلاثين مقعدًا من مقاعد الغرفة الأولى، تمّ رفعها في انتخابات 2011 لتصل الى ستين مقعدًا. وفي عام 2016 سُمح للنساء بالمشاركة أيضًا في القائمة الوطنية المخصّصة للشباب (ثلاثون مقعدًا)، ما مكن واحدًا وثمانين امرأة من دخول مجلس النواب. وبعد المصادقة على القانون التنظيمي الجديد المتعلق بمجلس النواب الذي أقرّ تعويض القائمة الانتخابية الوطنية بقوائم جهوية بلغت مقاعدها تسعين مقعدًا بعد إلغاء قائمة الشباب، مع التنصيص على تخصيص ثلثي مقاعد كل قائمة جهوية للنساء، وعلى وضع امرأتين اثنتين على رأس كل قائمة جهوية21، حصلت ستة وتسعون امرأةً على مقاعد في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في الثامن من سبتمبر 2021، لتنتقل نسبة النساء في الغرفة التشريعية الأولى من 1% قبل إقرار الكوتا الى 24.3% حاليًا22، وهي النسبة التي تقلّ بقليل عن المعدل العالمي لمشاركة المرأة في البرلمانات المحدد في 25.5% 23.

ومع الإقرار بمساهمة هذا النظام في ضمان تمثيلية مهمّة للمرأة في مجلس النواب، وهو ما ساهم في تحسين صورة البرلمان المغربي، فإنه من الضروري الإشارة إلى نقطتين أساسيتين: أولًا، إذا كان المشرع المغربي يقرّ بالطابع المؤقت لنظام الحصص المحددة، فإن نظام الكوتا فشل بشكله الحالي في تأدية وظيفته الأساسية المتمثلة في إعداد المرأة وتأهيلها للمنافسة مستقبلًا في الدوائر الانتخابية المحلية، بما يضمن لها مستقبلًا تحقيق مشاركة سياسية مهمّة خارج هذا النظام، بحيث ظل العدد الأكبر في أهم مؤسسة تمثيلية هو المنصوص عليه في نظام الكوتا24.

فمن بين خمسة وثلاثين امرأة فزن في انتخابات 2002، خمسٌ منهن فقط استطعن دخول البرلمان وفق نفس شروط منافسة الرجال أي بنسبة %14. وقد انخفضت هذه النسبة إلى أقل من 12% في انتخابات 2007، وواصلت انخفاضها إلى حوالي 10 %في انتخابات 2011، ثم ارتفعت قليلًا الى 11 %في انتخابات 2016، وانخفضت بشدة إلى 6.25% في انتخابات 2021 حيث استطاعت ست نساء فقط دخول مجلس النواب، خارج إطار الكوتا، من بين 96 امرأة فزن في هذه الاستحقاقات25. وهو ما يعني أن نسبة النساء اللواتي فزن عبر الدوائر الانتخابية (دون الاستفادة من نظام الحصص المحددة) انخفضت بعد خمسة استحقاقات انتخابية نظمت منذ إقرار الكوتا عام 2002 من 14% إلى 6.25%، وكأن هذا النظام أدى الى تقاعس المرأة في خوض غمار الانتخابات بعيدًا عن الاستفادة من التمييز الإيجابي.

ثانيًا، حسب الترتيب العالمي الخاص بنسبة حضور النساء في البرلمانات الوطنية (الغرفة الأولى) الخاص بشهر أكتوبر 2021، يحتل المغرب الرتبة 90 عالميًا بـ 24.3%، علمًا أنه كان يحتل الرتبة 107 الى حدود أكتوبر 2020. وهو ما يعني أن المغرب يحتل مكانة متقهقرة بين دول العالم في مجال التمثيلية السياسية للمرأة بالرغم من التقدم الطفيف الذي أحرزه. هكذا فإنه وفق نفس الترتيب تحتل المملكة الرتبة التاسعة عشر إفريقيًا حيث تتفوق عليها دول أكثر فقرًا وأقلّ نموًا، مثل رواندا (الرتبة الأولى عالميا، 61.3%)، ناميبيا (الرتبة الخامسة عشر عالميًا، 44.2%)، السنغال (الرتبة السابعة عشر عالميًا، 43%)، أثيوبيا (الرتبة التاسعة عشر عالميًا، 42.6%)، الموزمبيق (الرتبة الواحد وعشرون عالميًا، 42.4 %)، جنوب السودان (الرتبة الخامس والأربعون عالميًا، 33.7%) وجيبوتي (الرتبة الثمانون عالميًا، 26.2%). وعلى المستوى العربي، يتموقع المغرب في الرتبة السابعة عربيًا وراء الإمارات العربية المتحدة، التي تعدّ إحدى الدول القلائل في العالم التي حققت التكافؤ بين الجنسين (الرتبة الرابعة عالميًا، 50%)26، مصر (الرتبة التاسعة وستون عالميًا، 27.7%)، العراق (الرتبة السابعة والسبعون عالميًا، 26.4%) وتونس (الرتبة الثامنة والسبعون عالميًا، 26.3%)27.

وإذا كانت التمثيلية النسائية في مجلس النواب تبقى دون حجم التطلعات والانتظارات خاصة في ظل الاحصائيات السالفة الذكر، فإنها تبقى ضعيفة للغاية في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية) بالرغم من إقراره لشكل متطور من أشكال الكوتا بعيدًا عن آلية المقاعد المحجوزة التي أصبحت متجاوزة؛ حيث نصّ القانون التنظيمي لهذا المجلس على إقرار مبدأ التناوب في لوائح الترشيح (رجل-امرأة- رجل-امرأة)28، لكن طبيعة تكوين المجلس وشكل الاقتراع ووضع الرجال على رأس غالبية القوائم الانتخابية، جعل نسبة حضور المرأة في هذا المجلس لا تتجاوز 11.66%، حيث أفرزت انتخابات سبتمبر 2021 فوز النساء بأربعة عشر مقعدًا من أصل 120.

ومن المهم الإشارة إلى أنه اذا كان الحضور الرقمي للمرأة داخل المؤسسة التشريعية متواضعًا، فهو كذلك على المستوى الفعلي بعد أن حوّلت الأحزاب الكوتا النسائية إلى ريع سياسي أصبح معها البرلمان المغربي بمثابة “برلمان الأسرة”؛ حيث دأبت الأحزاب على ترشيح نساء تربطهن صلة أو قرابة أو حتى مصلحة بدوائر القرار بعيدًا عن معيار الكفاءة، ما انعكس سلبًا على أدائهن المهني، حيث كشفت إحدى الدراسات أن 69% من النساء في المؤسسة التشريعية المغربية لا يعرفن طبيعة علاقة البرلمان بالحكومة، وأن 50% منهن لا يستطعن تحديد علاقة البرلمان بالمؤسسات الدستورية للحكامة، وسجلت الدراسة كذلك أن نحو40% من البرلمانيات المستجوبات لا يعرفن بالضبط طبيعة الاختصاصات المالية للبرلمان، كما كشفت أن 22% منهن غير متمكنات من تقنية صياغة الأسئلة الكتابية، و83% غير متمكنات من تقنية الأسئلة الشفوية29.

وما يقال عن التمثيلية النسائية في المؤسسة التشريعية يقارب الى حد كبير تمثيلية المرأة في مجالس الجماعات الترابية (المحافظات والأقاليم)، فقد حرص القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء المجالس الترابية الصادر عام 2021 على ضمان تمثيلية فعلية للنساء، من خلال تخصيص ثلث مقاعد مجالس الأقاليم والعمالات لفائدة النساء (نسبة حضور النساء في مجالس العمالات والأقاليم قبل صدور هذا القانون كانت في حدود 4%)، إضافة إلى الرفع من عدد المقاعد المخصصة لهن في مجالس الجماعات30. وفي الواقع، لقد تطوّر بشكل ملحوظ حضور المرأة في المجالس الجماعية (المحلية)؛ حيث ارتفعت نسبة المقاعد التي حصلت عليها النساء في الانتخابات الجماعية لعام 2015 الى 21 % بعد أن كانت في حدود 0.56 % فقط في الانتخابات الجماعية لعام 2003، وقد واصلت هذه النسبة ارتفاعها لتصل إلى 26.64% خلال الانتخابات الجماعية لعام 2021، دون أن تبلغ مع ذلك نسبة الثلث31.

وبالرغم من ذلك، يبقى حضور المرأة في مجالس الجماعات والأقاليم والعمالات حضورًا رقميًا بالأساس؛ حيث يتمّ إسناد الوظائف الثانوية إلى النساء داخل المجالس المختلفة على نحو منهجي، كما أنه نادرًا جدًا ما يصلن إلى المناصب المهمة مثل الوظائف المرتبطة بالمالية أو التخطيط الحضري32. وهو ما ينطبق أيضًا على رئاسة المجالس المحلية والجهوية رغم التقدم المهم المسجل في هذا الشأن، فمن بين اثنتا عشرة جهةً توجد لأول مرة امرأة على رأس مجلس جهوي (جهة كلميم – وادنون)33، في غياب واضح عن صناعة القرار الجهوي، كما ظفرت ثلاث نساء، للمرة الأولى في تاريخ المملكة، بمنصب عمدة في المدن الكبرى (الرباط، والدار البيضاء، ومراكش)34.

لكن إدماج المرأة في الحياة السياسية لا يرتهن فقط بفتح الباب لمشاركتها في المؤسسة التشريعية والمجالس المنتخبة وولوجها إليها، بقدر ما يرتبط بتمكينها الفعلي من المشاركة في اتخاذ القرارات الحيوية في كل مجالات الحياة السياسية، فإضافة لمحدودية حضورها وتأثيرها في الهيئات المنتخبة بقيت المرأة غائبةً عن صنع القرارات الكبرى. وقد بقي الحضور الرمزي للمرأة واضحًا أيضًا في تشكيلة الحكومات المعينة، ففي عام 2019 لم تتجاوز نسبة حضور المرأة في الحكومة المغربية التي كان يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي 17%35، كما ظلت الوزيرات المعيّنات بعيدات عن تقلد مناصب ما يعرف بوزارات السيادة (وزارات الداخلية، الخارجية، العدل والشؤون الإسلامية) أو حتى وزارات القطاعات الاستراتيجية. وهو الوضع الذي تمّ تصحيحه نسبيًا في الحكومة المعينة مؤخرًا في أكتوبر 2021؛ حيث ارتفعت نسبة النساء فيها الى 25% بعد تعيين ست وزيرات في قطاعات هامة (المالية، الإسكان، السياحة).

وما يقال عن الوظائف السياسية يقال أيضًا على الوظائف العامة التي تبقى حكرًا على الرجال بدرجة كبيرة (ترؤس الجامعات، عمادة الكليات، إدارة المؤسسات العمومية، …)، وهو مؤشر آخر على رمزية الحضور السياسي للمرأة، فلو كان حضورها فاعلًا لكان تأثيرها أكبر في الحصول على نصيب من التعيينات المرتبطة بهذه الوظائف. في ظل هذه المعطيات يبدو من المهم إصلاح اختلالات نظام الكوتا الحالي وتعديله انسجامًا مع تطور أنظمة الكوتا في الدول النامية والمتقدمة على حد سواء، في أفق ضمان مشاركة فعلية للمرأة في الحياة السياسية والعامة بعيدًا عن التسويق الخارجي.

  1. اختلالات نظام الكوتا المغربي مقارنة بدول العالم:

لا يواكب نظام الكوتا الحالي التطور الكبير الذي عرفته أنظمة الكوتا في مجموعة من الدول بما فيها الدول الأقل نموًا؛ بدليل أن حضور المرأة المغربية في المجالس المنتخبة والمؤسسات السياسية الدستورية يبقى في أحسن الأحوال في حدود الربع، علمًا أن لممارسة المرأة تأثيرًا ملموسًا في مناصب السلطة واتخاذ القرار، ومشاركتها في إدارة حكم ديمقراطي يمرّ بالضرورة عبر تشكيلها لأقلية مؤثرة لا تقل عن نسبة 30% 36، وهو ما لا يتوافر في الحالة المغربية، فبالرغم من التقدم الذي عرفه نظام الحصص المحددة في عام 2021، فإنه بقي محصورًا في الوظائف الانتخابية مع الاعتماد على كوتا قانونية تستند أساسًا على نظام “المقاعد المحجوزة” الذي تتراجع أهميته باستمرار؛ باعتباره أسلوبًا متجاوزًا يعكس تصوّرًا غير واضح للمرأة37.

ففيما يخص “الكوتا الدستورية”، التي تأخذ بها بعض الأنظمة السياسية عبر إقرار نصوصها الدستورية لحصص محددة لفائدة النساء سواء على المستويات الوطنية أو المحلية، كحال الدستور المصري الذي ينصّ على كوتا نسائية في المجالس المحلية المنتخبة (الوحدات المحلية) في حدود الربع38، لا ينص الدستور المغربي على نظام الحصص المحددة، على خلاف دول أخرى (حوالي ستة وثلاثين دولة) من بينها اثنتا عشرة دولةً إفريقية مثل تونس، الصومال، أوغندا، بوروندي، تنزانيا، جنوب السودان ورواندا، التي تنصّ جميعها على كوتا دستورية إجبارية لضمان تمثيلية نسائية في مؤسساتها التشريعية39، فيما يتجاوز الدستور الرواندي حدود الكوتا الانتخابية الموصى بها في مؤتمر بكين، من خلال إقراره منذ عام 2003 لكوتا نسائية محددة في 30% على الأقل في الإدارات العامة، وجميع مؤسسات اتخاذ القرار بما في ذلك السلطة التنفيذية.

وفيما يتعلق بالكوتا القانونية التي يتم التنصيص عليها في القوانين التنظيمية الخاصة بالمؤسسات التشريعية أو في قوانين الانتخابات أو الأحزاب السياسية، لا ترقى نسبة الكوتا المخصصة في المغرب (22.78% في مجلس النواب) إلى ما هو عليه في دول أخرى نامية؛ حيث نجد أن القانون الانتخابي السنغالي ينصّ منذ عام 2010 على أن تتضمن اللوائح الانتخابية الوطنية والمحلية نسبة 50% من النساء وفق نظام التناوب، فيما أقرّ قانونٌ صدر عام 2019 في ساحل العاج كوتا نسائية محددة في 30% في جميع أنواع القوائم الانتخابية، أما رواندا فقد نصّ قانونها على وضع امرأة على رأس كل لائحة انتخابية؛ وهو ما ساهم في حصول المرأة الرواندية على تسعة وأربعين مقعدًا من أصل ثمانين مقعدًا المخصّصة للغرفة الأولى في الانتخابات التشريعية لعام 2018. ومن المهم الإشارة إلى أن إقرار كوتا قانونية محددة على الأقل في 30% انعكس ايجابًا على تمثيلية المرأة الإفريقية، حتى أن النساء ترأسن برلمانات ثمانية عشر دولة إفريقية في عام 2019.

كما يعاب على المغرب أيضًا هيمنة نظام “المقاعد المحجوزة” على الكوتا القانونية، دون اللجوء لكوتا حزبية إجبارية إسوةً بمجموعة من التجارب الدولية، على غرار القانون الانتخابي البلجيكي الذي ينصّ على أن الفرق العددي بين الرجل والمرأة في القوائم الانتخابية التي تتقدم بها الأحزاب لا يجب أن يتجاوز واحدًا، وأن المرشحين الاثنين الموضوعين في رأس كل لائحة يجب أن يكونا بالضرورة رجلًا وامرأة40، وهو ما ساهم في رفع نسبة النساء في البرلمان البلجيكي حيث وصلت الى 43.8% في انتخابات عام 201941. أمّا في فرنسا فقد صدر قانون في يونيو 2000 يلزم الأحزاب بتقديم لوائح تضمّ 50% من النساء، بالتناوب بالنسبة للانتخابات الأوروبية وانتخابات مجلس الشيوخ، ودون تناوب بالنسبة للانتخابات مجالس البلديات والجهات. فيما تُعدّ نسبة 50% غير ملزمة بالنسبة لانتخابات الجمعية الوطنية الفرنسية، لكن الحزب الذي لا يحترمها يحرم جزئيًا أو نسبيًا من الدعم المالي حسب عدد النساء المتضمنة في قوائمه42.

وبخصوص الكوتا الطوعية أو الإرادية التي تتبناها الأحزاب السياسية بشكل إرادي لضمان ترشيح عدد مهم من النساء في قوائم الحزب، فبالرغم من عدم إلزاميتها، فإن اعتمادها الطوعي يدلّ بشكل كبير على نضج وديمقراطية وحداثية الحزب ومدى اقتناعه بالعدالة الاجتماعية ومبدأ تكافؤ الفرص. وتعدّ الكوتا الإرادية آليةً نموذجيةً لتشجيع النساء على المشاركة السياسية، حتى أن تحسين تمثيلية النساء متوقف قبل كل شيء على إرادة الأحزاب، وهو ما خلصت إليه دراسة أنجزها المعهد الديمقراطي الوطني الأمريكي سنة 2016 بالتعاون مع جمعيات مغربية.

وفي هذا الإطار، يمكن القول إن الساحة السياسية المغربية على وجه الخصوص، والعربية عامة، تخلو لغاية الآن من أحزاب ناضجة قادرة على أخذ زمام المبادرة وإقرار كوتا نسائية طوعية على غرار دول كثيرة في العالم. ففي إفريقيا مثلًا، يصل عدد الدول التي تتبنى أحزابها السياسية الديمقراطية بشكل إرادي كوتا نسائية إلى عشرين دولة (حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا نموذجًا)43، وفي كندا يخصص الحزب الديمقراطي الجديد منذ عام 1985 حصةً داخليةً محددةً في 50%، وفي ألمانيا تخصّص بعض الأحزاب كوتا طوعية تتراوح بين 30% و50%، أما في الدول الاسكندنافية فإن غالبية الأحزاب تخصّص بشكل إرادي مقاعد للنساء بغرض إلزام نفسها بالمساواة؛ ما جعل المناصفة حقيقةً شبه ملموسة في هذه الدول، حيث تقارب نسبة تمثيلية المرأة في برلماناتها 34%44، دون الحاجة إلى فرض كوتا إجبارية بغية تحقيق التكافؤ في التمثيل السياسي45.

وأخيرًا؛ يقتصر نظام الحصص المحددة في المغرب على الكوتا الانتخابية فقط بالرغم من إقراره قبل حوالي عشرين عامًا، دون أن يشمل الوظائف العامة ومناصب المسؤولية في إدارات الدولة والمؤسسات العمومية والشركات الوطنية، وهو ما يجب تداركه لضمان مشاركة فعلية للمرأة في الحياة السياسية والعامة. ففي فرنسا مثلًا تمّ إقرار كوتا محددة في 40% من مقاعد مجالس إدارة الشركات التي يعمل بها أكثر من 500 موظف، وتتجاوز مبيعاتها خمسين مليون أورو (قانون “كوبي زيميرمان” لعام 2011)، وكذا في التعيينات المرتبطة بمناصب المسؤولية في مجالس الإدارات والمؤسسات العمومية ولجان الانتقاء (قانون “سوفادي” لعام 2012)46، كما تمّ التنصيص في 2013 على نظام التناوب في القوائم الانتخابية الخاصة بالتعيينات في مناصب الحكامة المرتبطة بمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي47.

  1. ضرورة تعديل نظام الكوتا النسائية لتحقيق المناصفة الفعلية:

لا بدّ في البداية من الإشارة إلى أهمية الإبقاء على نظام الكوتا الإجبارية في المغرب، بالنظر لعدة عوامل أهمها خلو الساحة السياسية من أحزاب حقيقية قادرة على تخصيص كوتا طوعية داخلية لفائدة النساء، ما يبدو طبيعيًا عند استحضار غياب الحد الأدنى من الديمقراطية عند معظم الأحزاب (ست نساء حصلن فقط على مقاعد برلمانية خارج نظام الكوتا من بين ستة وتسعين امرأةً دخلت البرلمان)48. لكن نظام الحصص المحددة بشكله الحالي لن ينجح في تحقيق مبدأ المناصفة المنصوص عليه في المادة التاسعة عشر من دستور 2011، بالنظر لتحديات كثيرة على مستوى البنيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ما لم يتم تدعيمه ودعمه بمجموعة من التدابير والآليات الدستورية والقانونية تمكّن المرأة من المشاركة الفعلية في الحياة السياسية والعامة.

فالمغرب يستمر في نهج “سياسة أنصاف الحلول” والسعي لإرضاء الحداثيين والمحافظين معًا، مما جعله يتموقع في رتب متأخرة إفريقيًا (وليس فقط عالميًا) في مجال المشاركة السياسية للمرأة، حتى أنه لا يوجد ضمن العشر دول الإفريقية الأكثر حضورًا للمرأة في الحكومة لعام 2019، الذي يتضمن في معظمه دولًا أقلّ نموًا بكثير من المملكة مثل رواندا، أثيوبيا، أوغندا، أنغولا، مالي، موريتانيا، وزامبيا التي تتذيل هذا الترتيب بنسبة 30%49، فيما لا يتجاوز حضور المرأة المغربية في حكومة 2021 نسبة 25% .

لأجل ذلك يبدو ضروريًا فتح نقاش وطني مسؤول وهادف بغرض إعادة النظر في نظام الحصص الحالي، واتخاذ تدابير آنية ومؤقتة تروم رفع الكوتا النسائية في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة (القوائم الجهوية) إلى ما لا يقلّ عن الثلث على الأقل، ليس فقط استجابةً لمطالب الحركات النسائية وترجمة النصوص الدستورية على أرض الواقع، إنما بالخصوص حتى تشكّل النساء أقلية مؤثرة في المؤسسة التشريعية؛ ما سينعكس إيجابًا على تقلدها لمناصب مناصب المسؤولية ومشاركتها الفعلية في اتخاذ القرار السياسي.

وهي الغاية التي يصعب الوصول إليها ما لم يقتنع الفاعلون السياسيون في المغرب بضرورة التخلي مستقبلًا، على الأقل على المستوى المتوسط، على نظام “المقاعد المحجوزة” الذي أصبح متجاوزًا، وتعويض القوائم الجهوية بكوتا حزبية إجبارية، مع اعتماد نظام التناوب في جميع القوائم الانتخابية الوطنية والمحلية (امرأة – رجل – امرأة- رجل)، ما سيمكّن المرأة بشكل فعلي من خوض غمار الاستحقاقات الانتخابية والتمرس في الحياة السياسية. ومن المهم في هذا الصدد، اقتداء المغرب بالنموذج التونسي؛ حيث ضمنت النساء التونسيات تمثيلية في البرلمان في حدود %26.3 من مقاعده دون الحاجة لنظام “المقاعد المحجوزة”.

وضمانًا لتحقيق الكوتا النسائية للأهداف الرئيسية المقررة لأجلها، فإنه من الضروري اتخاذ المزيد من التدابير بغرض تأهيل المرأة واكتسابها الخبرة اللازمة لممارسة الحياة السياسية، وفي هذا الإطار يبدو مهمًا الرفع من مخصصات صندوق الدعم لتشجيع تمثيلية النساء الذي تمّ إحداثه عام 2017، والذي يقوم، بمساهمة البنك الإفريقي للتنمية، بتقديم التمويل المالي والمواكبة للمشاريع الهادفة لتعزيز مشاركة النساء في الاستحقاقات الانتخابية، وتقوية قدراتها في تدبير الشأن المحلي50.

ولأجل الرفع من عدد النساء الفائزات في القوائم المحلية والوطنية، وضمان تمثيلية نسائية مؤثرة في المجالس المنتخبة، يبدو مهمًا تشجيع الأحزاب وتحفيزهم ماديًا لإشراك المرأة في العمل الحزبي وزيادة نسبة حضورها في القوائم الانتخابية، وكذا إقرار نظام تحفيزي لمكافأة الأحزاب التي ترفع من الحظوظ الانتخابية للنساء من خلال وضعهن على رأس القوائم الانتخابية. في المقابل، فإنه اعتبارًا لاستناده إلى نصوص دستورية أو تشريعية ملزمة تتجاوز الوعود والمواثيق الأخلاقية، فإنه من الضروري إقرار جزاءات في حق الأحزاب غير المنضبطة لنظام الكوتا، من قبيل استبعاد القوائم المخالفة، الحرمان جزئيًا أو كليًا من الدعم العمومي المخصّص للحزب (على غرار فرنسا)، أو حتى استبعاد الحزب السياسي من المنافسة الانتخابية.

وأخيرًا؛ فإن التأسيس لدولة حداثية تسود فيها قيم الديمقراطية الحقّة يمرّ أساسًا عبر توسيع دائرة الكوتا النسائية، لتشمل إضافةً الى الوظائف الانتخابية جميع مناصب المسؤولية في مختلف إدارات الدولة ومؤسساتها، وهو ما ينطبق أيضًا على باقي الدول العربية. ويبدو هذا الأمر طبيعيًا ومبررًا، فمبدأ الكوتا النسائية يقوم أساسًا على وجوب حضور المرأة بنسبة معينة في القوائم الانتخابية، والمجالس المنتخبة، وهيئات الدولة وأجهزتها51. لذا فإنه من الأهمية بمكان الإسراع في تخصيص كوتا نسائية في الوظائف السامية ومناصب المسؤولية المرتبطة بإدارات الدولة والمؤسسات العمومية والشركات الوطنية ولجان الانتقاء، ما سيساهم بشكل ملموس في تأهيل المرأة وإكسابها الخبرة الإدارية والسياسية اللازمة، في أفق مشاركتها الفعلية والكاملة في اتخاذ القرار في مختلف مظاهر الحياة السياسية والعامة، محليًا ووطنيًا.

الخاتمة:

بالرغم من تطور نظام الحصص المحددة المستمر وإسهامه في الدفع بالمشاركة السياسية للمرأة المغربية والرفع من تمثيليتها في المجالس المنتخبة، خاصةً بعد أن اقترب حضور المرأة في مجلس النواب (24.3%) من المعدل المسجل عالميًا (25.5%)، فإنه بشكله الحالي فشل في تأدية وظيفته الأساسية المتمثلة في إعداد المرأة وتأهيلها في أفق خوضها غمار الاستحقاقات الانتخابية وفق نفس شروط الرجل، بحيث بقيت المشاركة السياسية للمرأة، منذ إقرار الكوتا النسائية قبل عشرين عامًا، رهينةً بالأساس لهذا النظام. وهو ما يبدو طبيعيًا بعد أن حوّلت معظم الأحزاب السياسية الكوتا الانتخابية الى ريع سياسي متجاهلة معايير الكفاءة والنزاهة والمسؤولية الواجب اعتمادها في تزكية الترشيحات، ممّا يعيق إفراز هذا النظام لنساء متمرسات وعلى درجة عالية من المهنية، بشكل يصبحن معه قادرات على تحمل أدوار أكثر أهميةً داخل المكاتب التنفيذية للأحزاب، والمجالس المنتخبة، والنقابات، والمؤسسات العمومية، والوزارات، بعيدًا عن الحضور الرمزي أو الرقمي.

اعتبارًا لذلك؛ تبدو ضرورة تعديل نظام الكوتا ملحة حتى تشكّل النساء أقليةً مؤثرةً ليس فقط في المجالس المنتخبة إنما في كافة المؤسسات السياسية للدولة؛ لأن سعي المغرب نحو بناء دولة ديمقراطية وحداثية يمرّ حتمًا عبر تحقيق مشاركة سياسية حقيقية للمرأة. ولأن الطريق نحو تقاسم حقيقي للسلطة بين الرجل والمرأة يبقى مرتبطًا بالإرادة السياسية، فإن تغيير العقليات وتجاوز العراقيل الثقافية لا يتم الا باتخاذ القرارات الكبرى التي تتجلى بالخصوص في التخلي عن نظام المقاعد المحجوزة وإقرار كوتا حزبية إجبارية مع التنصيص على التناوب بين الجنسين في تشكيل القوائم الانتخابية المحلية والوطنية، إضافةً الى توسيع دائرة الكوتا الانتخابية لتشمل مختلف مناصب المسؤولية وكافة إدارات الدولة. ما سيمهد الطريق لبروز قيادات حزبية نسائية قد يتمخض عنها، في القادم من السنوات، تعيين امرأة في مناصب حكومية هامة ما سيعدّ سابقةً في تاريخ المملكة.

لكن المغرب مطالب بتسريع وتيرة التغيير في مجال المشاركة السياسية للمرأة، فهي ثابتة ومستمرة لكنها في الوقت ذاته بطيئة. ويجب أن نستحضر هنا أن أثيوبيا التي ترأسها السيدة “سهلورق زودي” رفعت في ظرف سنتين فقط نسبة المشاركة النسائية في الحكومة من 10% عام 2017 الى 50 % عام 2019. نتذكر في النهاية تصريح السيدة “ماريا فرناندا” الرئيسة السابقة للجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة حديثها عن تطور المشاركة السياسية للمرأة في العالم، حيث قالت: “إذا اتبعنا الوتيرة الحالية للتغيير سنصل الى المناصفة بعد 107 عام”. بالنسبة للمغرب أكيد، مع وتيرة التغيير الحالية، سيتجاوز هذا الرقم بكثير.


المراجع:

1 Alexandre Turpyn, «Faut-il des quotas en faveur des femmes ? » CAPITAL, Juillet 2017. Consulté le 02 Octobre 2021, shorturl.at/hjwDW.

2

Anne Revillard, « Les quotas sont-ils une solution pour l’égalité femmes-hommes ? », Observatoire des inégalités, Juin 2020. Consulté le 03 Octobre 2021, shorturl.at/hiuGR.

3Dudézert Aurélie, « Égalité homme-femme et actes juridiques : les risques du genre », The Conversation, Septembre 2016. Consulté le 06 Novembre 2021، shorturl.at/fjqJ9.

4

D’almeida Massan, « Pour promouvoir la participation politique des femmes, pourquoi certains pays optent-ils pour le quota ou la parité ? », Genre en action, Juillet 2014. Consulté le 01 Novembre 2021, shorturl.at/adkxA.

5

إكرام عدناني، “المرأة في المغرب بين المكتسبات والتحديات”، مؤمنون بلا حدود، يونيو 2020. تاريخ الاطلاع 30 أكتوبر 2021، shorturl.at/blBPQ.

6 الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، الأمية بالأرقام، 2018. تاريخ الاطلاع 24 أكتوبر 2021، shorturl.at/kJY28.

7 البحث الوطني حول التشغيل، “مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2021″، المندوبية السامية للتخطيط، 2021، ص.4.

shorturl.at/ejALY

8

رشيد بنمسعود، التمييز الإيجابي بين التشريع والتفعيل: تجربة “الكوتا” في المغرب، (بيروت: منشورات الأمم المتحدة، 2017)، ص. 8.

9Institute for democracy and electoral assistance, Gender quotas database, IDEA, Octobre 2021. Consulté le 15 Octobre 2021, https://www.idea.int/data-tools/data/gender-quotas/database.

10 المادة الرابعة من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) لعام 1979.

11 الفقرة 190 من منهاج العمل المرتبط بإعلان بكين لعام 1995.

12 الفصلين التاسع عشر والثلاثون من الدستور المغربي لعام 2011.

13 القانون التنظيمي رقم 21.04 المتعلق بمجلس النواب المغربي لعام 2021.

14 قطاع التواصل، المحكمة الدستورية: القانون التنظيمي رقم 21.04 المتعلق بمجلس النواب ليس فيه ما يخالف الدستور، البوابة الوطنية، المملكة المغربية، أبريل 2021. تاريخ الاطلاع 3 نوفمبر 2021،

shorturl.at/avzAB.

15Institute for democracy and electoral assistance, Gender quotas database, op.cit.

16

Institute for democracy and electoral assistance, Gender quotas database, op.cit.

17

المادة الرابعة والعشرون من القانون الانتخابي التونسي عدد 63/ 2018 لعام 2019 بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لعام 2014.

18

مروى شلبي وليلى الإمام، “المرأة في العملية التشريعية في البلدان العربية”، مركز كارنيغي، أبريل 2017. تاريخ الاطلاع 25 نوفمبر 2021، http://urlr.me/Z1Snp.

19 إكرام عدناني، “المرأة في المغرب بين المكتسبات والتحديات”، مرجع سابق.

20 إكرام عدناني، “التمكين السياسي للمرأة: تقنية الكوتا في المغرب نموذجًا”. منتدى السياسات العربية، نوفمبر 2019، ص.3-4. http://urlr.me/qShLZ.

21

الفقرة الثانية من المادة الثالثة والعشرين من القانون التنظيمي رقم 21.04 المتعلق بمجلس النواب المغربي لعام 2021.

22 وزارة الداخلية، نتائج الانتخابات التشريعية، إحصائيات نوعية. انتخابات 2021، سبتمبر 2021. تاريخ الاطلاع 29 أكتوبر 2021، shorturl.at/gjpI1.

23كاتب غير محدد، للمرة الأولى، النساء يمثلن ربع البرلمانيين في العالم“. الأمم المتحدة، مارس 2021. تاريخ الاطلاع 2نوفمبر 2021،

https://news.un.org/ar/story/2021/03/1072092

24

« Le quota des femmes au niveau de la scène politique a connu une montée remarquable », Maroc diplomatique, Mars 2020. Consulté le 22 Octobre 2021, shorturl.at/dCILM.

25

Sara Ibriz, « Législatives 2021 :  le nombre de femmes élues, une sonnette d’alarme », Média 21, Septembre 2021.Consulté le 3 Novembre 2021, shorturl.at/guzNO.

26

“للمرة الأولى، النساء يمثلن ربع البرلمانيين في العالم”، مرجع سابق.

27 « Pourcentage de femmes dans les parlements nationaux », Parline UIP, Septembre 2021. Consulté le 03 Octobre 2021, http://urlr.me/hJT38.

28

تنص المادة الرابعة والعشرون من القانون التنظيمي رقم 05.21 المتعلق بمجلس المستشارين الصادر سنة 2021 على ما يلي: “يجب ألا تتضمن كل لائحة من لوائح الترشيح اسمين متتابعين لمترشحين اثنين من نفس الجنس”.

29

إكرام عدناني، “التمكين السياسي للمرأة: تقنية الكوتا في المغرب نموذجًا”، مرجع سابق، ص. 7.

30

القانون التنظيمي رقم 21.06 المتعلق بانتخاب أعضاء المجالس الترابية الصادر عام 2021.

31 وزارة الداخلية، نتائج الانتخابات الجماعية حسب محاضر اللجان، إحصائيات نوعية، انتخابات 2021، سبتمبر 2021. تاريخ الاطلاع 29 أكتوبر 2021، .shorturl.at/dhnxI

32

فرانسوا أليسيا، دافيد غوري، “تمكين المرأة وتأكيد الحضور السياسي: مفارقة مغربية؟ (الجزء الثاني)”، طفرة، أبريل 2019. تاريخ الاطلاع 26 أكتوبر 2021، shorturl.at/lqrtA.

33 قطاع التواصل، لائحة الرؤساء الجدد لمجالس الجهات ال12 بالمملكة. البوابة الوطنية، المملكة المغربية، سبتمبر 2021. تاريخ الاطلاع 3 نوفمبر 2021، shorturl.at/dnoBP.

34 خالد محبوب، “لأول مرة بالمغرب.. نساء يظفرن بمنصب عمدة ثلاث مدن كبرى”. Anadolu Agency، سبتمبر 2021. تاريخ الاطلاع 4 نوفمبر 2021، shorturl.at/ghtCO.

35

O.L, « Nouveau gouvernement : Une présence féminine famélique », Finances News, Octobre 2016. Consulté le 20 Octobre 2021, shorturl.at/avIMT.

36 « Réponse récapitulative sur les quotas de genre dans les pays d’Afrique », Iknow politics, p.1. shorturl.at/glsyX.

37D’almeida Massan, « Pour promouvoir la participation politique des femmes », op.cit.

38

المادة 180 من الدستور المصري لعام 2014.

39 المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الاجتماعية. قاعدة بيانات حصص النوع الاجتماعي. مرجع سابق.

40Güler Turan, « Des quotas en faveur de l’égalité hommes-femmes », OCDE, 2015. Consulté le 30 Octobre 2021, http://urlr.me/Wy8xC.

41 Belga, « Elections 2019 : davantage de femmes élues mais l’égalité n’est toujours pas atteinte », La libre, Mai 2019. Consulté le 19 Octobre 2021, shorturl.at/cqxL1

42 Sandrine Lévêque, « Parité et quotas en politique », Politika, Juillet 2018. Consulté le 15 Octobre 2021, http://urlr.me/WMyz5.

43 « Réponse récapitulative sur les quotas de genre dans les pays d’Afrique », op.cit., p.1.

44 Mouvement européen, « Les femmes au pouvoir en Europe », EuroClic, Septembre 2017. Consulté le 1 Novembre 2021, shorturl.at/kDGT6.

45 Pascale Navarro, « L’égalité à la suédoise », Gazette des femmes, Mars 2013. Consulté le 14 Octobre 2021, http://urlr.me/BMP8g.

46

Anne Revillard, « Les quotas sont-ils une solution pour l’égalité femmes-hommes ? », op.cit.

47Sandrine Lévêque, « Parité et quotas en politique », op.cit.

48 Sara Ibriz, « Législatives 2021 :  le nombre de femmes élues, une sonnette d’alarme », op.cit.

49

Léa Masseguin, « Les femmes en politique : une participation inégale sur le continent en 2019 », Jeune Afrique, Mai 2019. Consulté le 22 Octobre 2021, shorturl.at/glsR0.

50 اللجنة المكلفة بتفعيل صندوق الدعم لتشجيع تمثيلية النساء، صندوق الدعم لتشجيع تمثيلية النساء، وزارة الداخلية، 2019. تاريخ الاطلاع 25 أكتوبر 2021، .http://urlr.me/xT1vj

51 D’almeida Massan, « Pour promouvoir la participation politique des femmes, op.cit.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى