تحولات المواقف العربية تجاه قضية الأويغور

اقرأ في هذا المقال
  • شكَّلت مسألة الاضطهاد التي تتعرَّض لها الأقلِّيات المسلمة في بعض الدول، أحد أهمِّ محرِّكات السياسة الخارجية للدول الإسلامية. وكانت مواقف بعض الدول العربية، خاصَّةً السعودية، بارزةً في هذا الشأن.

 

 

تمهيد:

شكَّلت مسألة الاضطهاد التي تتعرَّض لها الأقلِّيات المسلمة في بعض الدول، أحد أهمِّ محرِّكات السياسة الخارجية للدول الإسلامية. وكانت مواقف بعض الدول العربية، خاصَّةً السعودية، بارزةً في هذا الشأن. وقد شكَّل التضامن مع هذه الأقلِّيات أحد مصادر الشرعية للسلطة الحاكمة. وحتى مع تغيُّر دور منظَّمة المؤتمر الإسلامي، من الاهتمام بقضية المسجد الأقصى وفِلَسطين خاصَّةً إلى الاهتمام بقضايا الأمَّة عامَّةً، ومن ضمنها قضية “تركستان الشرقية”، ومن ثَمَّ تغيُّر اسمها إلى منظَّمة التعاون الإسلامي، ومع أنَّ قضايا الأقلِّيات حافظت على مكانها في جدول أعمال المنظَّمة الإسلامية الجديدة، فقد بدا التراجع واضحًا في دعم الحكومات العربية لقضايا هذه الأقلِّيات المضطهَدة عموماً، لا سيَّما في الآونة الأخيرة. إذ إنَّ قضية الأويغور في “تركستان الشرقية” غرب الصين، لم تأخذ أيَّ نصيب في تأثُّر علاقات الدول العربية بالصين، وعلى رأسها السعودية، وكذا في أنشطة منظَّمة التعاون الإسلامي. بل إنَّ المنظَّمة قد أعلنت دعمها لسياسة الصين ضدَّ التطرُّف المزعوم في الإقليم، وتقوية الشراكة بينها وبين الصين، وهذا الموقف أدَّى إلى انتقادات شديدة على مستويات مختلفة.

وهناك قضايا أخرى للأقلِّيات المسلمة غير قضية الأويغور، تنظر إليها السعودية ومنظَّمة التعاون الإسلامي بأهمِّية في علاقاتهما الخارجية. تلك الأقلِّيات التي تعيش في حالة من التوتُّر والضيق وفقدان الأمن والاستقرار، مثل أقلِّية الروهنجيا في بورما (ميانمار)، وجامو كشمير، وجزر جنوب الفلبِّين، وتايلند، وبروندي، والكونغو، وسيراليون، وغيرها. ولم يظهر إلى الآن أيُّ دور مؤثر للدول العربية، يُظهر جهدها في قضايا الأقلِّيات المسلمة وحل الأزمات والكوارث لها، وخير مثال على ذلك قضية إلغاء الحكم الذاتي عن جامو كشمير.

وتتضمن الفقرات التالية محاولة لتوضيح ما سبق، من خلال تحليل تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية والصين، بالتركيز على الواقع الحالي لمسلمي الأويغور بصفتهم أقلِّيةً مسلمة بالنسبة للصين مع كونهم ليسوا بأقلية، بل أغلبية باعتبار معاني هذا المصطلح.

مقدِّمة:

عندما نتكلَّم عن معنى الاضطهاد، يبرز أنه معاملة ظالمة وقاسية على مدى زمن طويل، بسبب العرق أو الدين أو المعتقدات السياسية. وهو المصدر من اضطهَد يضطهِد، ومعناه: تجاوُز الحدِّ في السلطة، والمعاملة القهرية التعسُّفية، وانتهاك المبادئ الدستورية، خاصَّةً فيما يتعلَّق بحماية حقوق الإنسان.

وتظهر أبرز مظاهر الاضطهاد في الدين أو العرق أو ما يُسمَّى بالإبادة الجماعية، من أجل استئصال شعب أو مجموعة من الناس أو حرمانهم من حقوقهم، لأهداف الحكم والسيطرة السياسية.

أمَّا الاضطهاد الديني فهو أحد أنواع الاضطهادات المبنية على اختلاف الدين أو المذهب، ومن أمثلته: اعتداء البوذيين على مسلمي بورما الروهنجيا، واضطهاد الصليبيين لمسلمي إفريقيا الجنوبية، وتنمُّر الهندوس على مسلمي كشمير في الهند، وغيرها.

وأمَّا الاضطهاد العرقي أو العنصرية فهي مُمارَسة السلطة أو الأحزاب العنفَ والقسوة على عنصر محدَّد بيولوجيًّا بسبب الشكل ولون البَشَرة، أو تفضيل السلطة عنصرًا على آخر وتمييزها في سياستها، وكذا محاولتها طمس هُوية شعب ما وحضارته. ومن الأمثلة على هذا النوع، الاضطهاد الذي مورس ضدَّ الأفارقة السود من تجَّار الرقيق وتحويلهم إلى مستعبَدين، لا لشيء إلَّا لانتمائهم إلى عرق ولون مختلف.

وأمَّا الإبادة الجماعية فتُعرَّف بأنها الفظاعات التي تُرتكب في أثناء العدوان القائم على أساس عرقي أو ديني. فهي تشير إلى جرائم القتل الجماعي المرتكَبة بحقِّ مجموعات معيَّنة من البشر، بقصد تدمير وجودهم كلِّيًّا. ويمكن تفسيرها بحصر عناصرها، وهو ما حاولت أن تفعله المادَّة الثانية من اتِّفاقية 1948 المعتمَدة من قِبل الجمعية العامَّة للأمم المتَّحدة، والخاصَّة بمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية. إذ تنصُّ هذه المادَّة على أنَّ الإبادة الجماعية تعني أيًّا من الأفعال التالية، المرتكَبة على قصد التدمير الكلِّي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه:

  1. قتل أعضاء من جماعة معيَّنة.
  2. إلحاق أذًى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
  3. إخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادِّي كلِّيًّا. أو جزئيًّا.
  4. فرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
  5. نقل أطفال من الجماعة عنوةً إلى جماعة أخرى.

وقد تبنَّت الجمعية العامَّة للأمم المتَّحدة الاتِّفاقية أعلاه في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 1948، ودخلت حيِّز التنفيذ في الثاني عشر من يناير/كانون الثاني 1951[2].

بالعودة الى سياسات الدول العربية تجاه قضايا الأقلِّيات المسلمة، ومكان هذه القضايا في السياسات الخارجية.

إنَّ حالات الاضطهاد والسياسات القاسية غالبًا ما تحدث في مجتمعات الأقلِّيات المسلمة التي تعيش تحت حكم سلطات لا تدين بنفس الهوية لها. فقد تنتج مشكلات شتَّى للمسلمين بسبب عيشهم في مجتمعات ذات أغلبية مغايرة لهويتهم الدينية، كما تختلف طبيعة المشكلات من دولة إلى أخرى، ومن قارَّة إلى قارَّة، وهي كثيرة ومتشعِّبة. فالأقلِّيات المسلمة في أوروبَّا مثلًا تتمتَّع بحرِّيتها نوعًا ما بالرغم من أن كثيرا منهم لا يحمل صفة المواطنة. أمَّا بعض الأقلِّيات المسلمة التي يعيش أفرادها في بلادهم الأصل ولكن بصفتهم أقلِّيةً إثنيةً تحت حكم سلطات مغايرة لعقيدتهم، بسبب احتلال بلادهم أو اعتناقهم الإسلام أو غير ذلك، فيفتقد أفرادها أدنى مستويات الحرِّية، إذ إنَّ اضطهادهم والتضييق عليهم مرتبط بكلِّ جانب من جوانب حياتهم، التي من أهمِّها: الجانب الديني والاجتماعي والتعليمي والثقافي والاقتصادي. وأبرز مثال على ذلك قضية مسلمي الأويغور في إقليم “تركستان الشرقية” (شينجيانغ) غرب الصين الشيوعية، اذ يتعرَّضون لكلِّ نوع من أنواع الاضطهادات الخمسة التي سبق ذكرها، وسيأتي بيان ذلك وتوضيحه في أثناء الحديث عن العلاقات العربية-الصينية وموقف منظَّمة التعاون الإسلامي التي تبنَّت الدفاع عن قضايا المسلمين، وأُنشئت لحلِّ قضاياهم حول العالم من خلال التنسيق بين وزراء الخارجية للدول الأعضاء.

أولاً: ملامح السياسة الصينية تجاه الأويغور.

مسلمو الأويغور مجموعة عرقية تركية تسكن غرب الصين في إقليم شينجيانغ الأويغور ذاتي الحكم، والمعروف باسم “تركستان الشرقية” منذ قرون بعيدة. يحدُّ الإقليم الصين ومنغوليا من الشرق، وروسيا من الشمال، وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأفغانستان وباكستان والهند من الغرب، والتبت من الجنوب، وتبلغ مساحته مليونًا وثمانمئة وثمانية وأربعين ألفًا وأربعمئة وثمانية عشر (1.848.418) كيلومترًا مربَّعًا.

وصل الإسلام إليهم عام 96هـ/714م، وفي عام 322هـ/934م أعلن سلطانهم عبد الكريم ساتوق بوغراخان أنَّ دين الدولة هو الإسلام، فبدأ تاريخهم الإسلامي المزدهر بالعلم والحضارة باسم الدولة القَراخانية إلى أن جاء اجتياح الاستعمار المغولي. وهم من أوائل قبائل الأتراك الذين دخلوا في الإسلام، وحافظوا على دولتهم الإسلامية في “تركستان الشرقية” حتى غزت إمبراطورية المانشور الصينية الإقليمَ في عام 1876، فضمَّته إليها بعد ثماني سنوات من الحرب الدموية، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1884، وغيَّرت اسمه إلى شينجيانغ، والتي تعني (الأرض الجديدة) أو (الحدود الجديدة).

 وفي أوائل القرن العشرين، أعلن الأويغور استقلالهم لفترة وجيزة بإقامة دولة “جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية”  في عام 1933 في مدينة كاشغر العريقة، وكانت هذه الدولة أول جمهورية إسلامية أسست بعد انهيار الخلافة العثمانية بجهود الثورة الشعبية المشكّلة من الأتراك الأويغور، ولكنها لم تستطع الوقوف أمام الزحف الأحمر الذي سحقهم في باكورتهم. ومرة أخرى وجد الأويغور فرصة الاستقلال وإقامة دولتهم باسم “جمهورية تركستان الشرقية” عام 1944 في خضم الحرب العالمية الثانية اذ انخرط شمال الاقليم بثورة شعبية شاملة، ولكنَّ الصين الشيوعية وبمساندة من الاتِّحاد السوفيتِّي سيطرت على المنطقة بالكامل في عام 1949، وانهت دولتهم التي أخذت طابعا مختلفا بل ومتناقضا مع تيارها الايديلوجي والثقافي وحتى المنفعي.

وفي السبعين عامًا الماضية بعد الاستيلاء الصيني على المنطقة، هجَّرت السلطات الصينية عددًا كبيرًا من الهان الصينيين (أكبر مجموعة عرقية في الصين) إلى تركستان الشرقية (شينجيانغ) لتغيير ديموغرافيا المسلمين الأويغور، ما تسبَّب في تحوُّل سكَّاني كبير. إذ كان الأويغور يشكِّلون 75% من سكَّان المنطقة في بداية العملية، في حين كان الهان الصينيون يمثِّلون 9% فقط. أما الحاضر فيشهد تمثيلا مختلفا، اذ يشكل الأويغور 45% والصينيون 40% من السكان، حسَب الإحصاءات الحكومية عام 2017.

تعامل الحزب الشيوعي الصيني مع مقاومة الأويغور في شينجيانغ بطرق مختلفة على مر السنين، في التسعينات، كان ينظر إليها في معظمها على أنها “انفصالية” عرقية قومية تغذيها الأيديولوجية القومية التركية، وبعد عام 2001، استغلت الصين “الحرب على الإرهاب” وتعزز ظاهرة الإسلاموفوبيا على المستوى العالمي لتبرير إجراءاتها، ومن ثم استخدمت كل الوسائل التي تملكها لتذويب الهوية الإسلامية، حتى وصل الأمر إلى استخدام السلطات لأشنع وأشد وسائل المحاصرة والرقابة الشاملة على المنطقة، بالإضافة الى فصل علاقاتها مع الخارج، لتصبح أشبه بسجون مغلقة تماماً.

وفي السنوات الأخيرة، ضجَّت المواقع الإخبارية على المستوى العالمي بقضية الأويغور، وذلك بعد الإجراءات الصينية التي استهدفت الجوانب الثقافية والدينية من خلال هدم الآثار الحضارية والتارخية والاعتداء على الرموز الدينية وشن حملات الاعتقال الجماعية، وكان ذلك قد ظهر بشكل أكثر سفورًا منذ تولِّي الرئيس الحالي شي جين بينغ مقاليد الحكم في الصين.

قضية الأويغور من منظور منظَّمة التعاون الإسلامي

أسِّست منظَّمة التعاون الإسلامي بقرار تبنَّته القمَّة الإسلامية التي لا زالت تنعقد منذ الثاني والعشرين إلى الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول 1969 في الرباط بالمغرب، كردّ فعلٍ على محاولة إحراق المسجد الأقصى، وأُعلن ميثاقها رسميًّا في عام 1972 في مؤتمر لوزراء خارجية الدول الإسلامية. وقد نمت هذه المنظَّمة بشكل كبير خلال نصف قرن من تأسيسها، وتعتبر الآن ثاني أكبر منظَّمة حكومية دولية بعد الأمم المتَّحدة من حيث عدد الحكومات الأعضاء فيها، إذ يبلغ عدد أعضائها 57 دولة تمثِّل أكثر من 1.7 مليار مسلم[3]. وقد جعلت منظَّمة التعاون الإسلامي الدفاع عن أهمِّ قضايا الأمَّة الإسلامية شعارًا لها، إذ تشكَّلت لأجل حلِّ الأزمات التي واجهت الأقلِّيات المسلمة، ولتكون رابطةً بين الدول الإسلامية والمسلمين في العالم.

كان الدافع الرئيسي لتأسيس هذه المنظَّمة دعم الفِلَسطينيين للحصول على حقوقهم التاريخية والشرعية كما سبق ذكره، إذ شعرت دول المنظَّمة بالحاجة إلى مثل هذا الجهد المنسَّق للدفاع عن أرض فِلَسطين العربية الإسلامية، والتي تمثِّل رابطًا يجمع المسلمين، بما للأقصى من أهمِّية دينية في قلب كلِّ مسلم حول العالم. فبسبب الانتهاكات الإسرائيلية لقرارات الأمم المتَّحدة، والدعم الأمريكي والغربي الضمني ثم الصريح في الآونة الأخيرة لهذه الانتهاكات، وبالرغم من معارضة الفِلَسطينيين إنشاء دولة إسرائيل على أرضهم وطالبوا بفِلَسطين موحَّدةً، فإنَّهم قبلوا بحلِّ الدولتين ببداية عام 1974، بسبب هزيمتهم العسكرية وتوصيات الدول العربية والإسلامية الأخرى. وقد وافق الفِلَسطينيون على استرجاع 22% فقط من أراضي فِلَسطين التاريخية، حسَب حدود ما قبل عام 1967. ونتيجةً لذلك، وبدعم من منظَّمة التعاون الإسلامي، اعترف المجتمع الدولي بأنَّ منظَّمة التحرير الفلسطينية هي الممثِّل الشرعي للفِلَسطينيين الذين لم يعودوا يملكون دولةً، وحصلت منظَّمة التحرير الفلسطينية على صفة (المراقب) في الجمعية العامَّة للأمم المتَّحدة. وبعد ذلك بمدَّة قصيرة وبدعم من منظمة التعاون الإسلامي أيضًا، نجح الفِلَسطينيون في إضفاء صفة (الأيديولوجيا العنصرية) على الصهيونية، وهي الأيديولوجيا الكامنة وراء إنشاء دولة إسرائيل[4].

وكان النزاع حول كشمير شأنُه في ذلك شأن النزاع في فلسطين، فلا يزال يعتبر أحد الصراعات القديمة التي لم تُحلَّ عبر الأمم المتَّحدة، إذ اشتعل فتيله منذ تأسيس المنظَّمة الدولية، وقد أصدرت منظَّمة التعاون الإسلامي الكثير من القرارات التي كان لها في الواقع تأثير ضئيل في حلِّ النزاع. وقد أسهم الصراع في أفغانستان المجاورة كذلك في تدهور الأوضاع في كشمير، فأصبحت كشمير بشكل عامٍّ مصدرًا آخر للتحدِّيات المستمرَّة التي تواجه مسؤوليات الدول الإسلامية.

ثم ظهر دور المنظَّمة جليًّا في محاولة إيجاد حلٍّ لما يغشى مسلمي الروهنجيا من كوارث وأزمات، فأدَّت دورًا كبيرًا بإرسال الوفود إلى ميدان الواقع، ومنها أرسل الأمين العامُّ للمنظَّمة، أكمل الدين إحسان أوغلو، وفدين رفيعين إلى ميانمار لتقصِّي الحقائق، حيث اجتمعا مع رئيس ميانمار ومسؤولين رفيعي المستوى وأفراد من المجتمع المحلِّي في ولاية راخين عام 2012.

وجاء في بيان المنظَّمة آنذاك أنها «تواصل جهودها لإيصال المعونات الإنسانية إلى الضحايا المتضرِّرين من العنف من خلال المنظَّمات غير الحكومية، على الرغم من الإعلان الذي أعلنته حكومة ميانمار في الآونة الأخيرة بأنها لن تسمح لمنظَّمة التعاون الإسلامي بفتح مكتب للتنسيق الإنساني في ولاية راخين، وأنَّ هذا الإعلان جاء مخيِّبًا لآمال المنظَّمة، نظرًا لتوقيعها اتِّفاقًا مسبقا مع الحكومة لفتح المكتب»[5].

وأكَّدت منظَّمة التعاون الإسلامي أنها لا تزال نشطة جدًّا ومنهمكة في محاولة إيجاد حلٍّ لمسألة الروهنجيا المسلمين. كما اعتمدت قمَّة مكَّة التي عُقدت يومي 14 و15 أغسطس 2012 قراراتٍ توفِّر إجراءات ملموسة يمكن تنفيذها بهذا الصدد، بما في ذلك توفير الدعم المالي، وتعيين مبعوث خاصٍّ لمنظَّمة التعاون الإسلامي. كما أرسل الأمين العامُّ إحسان أوغلو رسائل إلى كلٍّ من رئيس ميانمار ثين سين، والأمين العامِّ للأمم المتَّحدة بان كي مون،ومفوَّضة الأمم المتَّحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي، ورئيسة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية في ميانمار، أونغ سان سو كي[6].

وأما فيما يتعلق بقضية أتراك الأويغور فلم يبرز للمنظمة أي دور فعال مؤثر منذ تأسيسها، حيث أكد قرارا صدر عنها أن حماية حقوق وهوية المجتمعات المسلمة والأقليات في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي هي مسؤولية أساسية لتلك الدول. بل ذهبت في بعض الاحيان للإشادة، بجهود الصين “لتوفير الرعاية لمواطنيها المسلمين”. وكانت الصين قد استخدمت هذا الموقف كمبرر لسياستها في الأمم المتحدة وكعامل تهميش لمواقف المنظمات الحقوقية على المستوى العالمي.

وكان المجتمع الدولي ينتظر فترة طويلة ليرى كيف ستكون استجابة منظمة التعاون الإسلامي، التي تصف نفسها بأنها “الصوت الجماعي للعالم الإسلامي” لمعاملة الحكومة الصينية للأقلية المسلمة في البلاد. وذلك من خلال أنشطتها الأخيرة في الدورة السادسة والأربعين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في أبوظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة، ثم  من خلال الندوة بينها وبين ممثلي الحزب الشيوعي في بكين.

ثانياً: البعد التاريخي في السياسات العربية الصينية تجاه الأويغور

بعد أن عزز المسلمين تغلغلهم ووجودهم في منطقة آسيا الوسطى، زحفت الإمبراطورية الصينية من جهة سدّ الصين إلى تلك الجغرافيا بهدف استعمارها، والتقى الجيشان في مدينة طالاس التي تقع في حدود تركستان الشرقية وجمهورية قرغيزستان حالياً، وقد منيت الصين بهزيمة مدوية، أسست لعلاقة بعيدة المدى بين  الطرفين، المسلمين والأتراك، ويمكن سرد هذه العلاقة كالاتي: 

  1. علاقة التعارف والتعايش مع أتراك الأويغور والحرب على الصين

بعد أن دخل الأمير الأموي “قتيبة بن مسلم” تركستان (أرض الترك)، وتمكن من فتح بخارى عام 706م، وسمرقند عام 711م، وجد الأتراك أنفسهم أمام دين جديد، وثقافة مختلفة لأول مرة، كما وجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام الحضارة العربية الإسلامية. لم يكن الانسجام سلسا في بدايته الى أن بدأ الأتراك يميلون إلى التعايش فيما بعد، ويعزى ذلك إلى أن الأتراك لم يكونوا ذوي تعصب تجاه الأديان الجديدة. ولكن القوات الصينية احتلت المواقع المهمة للأتراك حينذاك، بعد وصول العباسيين إلى سدة الخلافة، وبعد أن عادت الدولة الإسلامية للاستقرار من جديد، أمر الخليفة أبو جعفر المنصور بالتحضير لحملة عسكرية في تركستان الشرقية، فزحف الجيش العباسي وعلى رأسه القائد “أبي مسلم” إلى سمرقند ليلتحق بقوات الأمير العباسي “زياد بن صالح” الذي تولى قيادة الجيش بنفسه.

في منتصف تموز/ يوليو عام 751م اشتبك الجيشان بالقرب من مدينة “طلاس” الواقعة على نهر الطلاس، ونظرًا لابتعاد الأمير العباسي عن قاعدته لمسافة كبيرة، فقد وجد الجيش الإسلامي نفسه في موقف عصيب أمام الجيش الصيني البالغ قوامه قرابة 50 ألف مقاتل، وهنا أدركه الجيش التركي، إذ وجد الآخر نفسه أمام فرصة لهزيمة عدوه التقليدي (الصيني)، وقد قلب هذا التدخل التركي الموازين على أرض المعركة، إذ حوصر الجيش الصيني وسقط منه آلاف القتلى ، فضلًا عن أسر ما يزيد عن عشرين ألفًا ، وبهذا انتهى النفوذ الصيني في آسيا الوسطى. وتبع ذلك انخراط الجنود الأتراك ضمن الجيوش الإسلامية، وبهذا يكون قد اعتنق جزء من الأتراك الديانة الإسلامية، ليحجزوا مكانهم في قطار الحضارة والثقافة الإسلامية خلال القرون الوسطى.

وفي عام 924م شهد العالم إحدى أهم نقاط التحول في التاريخ الإسلامي عامة، والتاريخ التركي خاصة، إذ أعلن الخاقان الأكبر عبد الكريم “ساتوق بوغراخان” الدين الإسلامي كدين رسمي ووحيد للسلالة التركية.

يقول المؤرخ الألماني فون قره باجاق: “إن اعتناق الأتراك الدين الإسلامي، وظهورهم على مسرح التاريخ كعنصر إسلامي حينئذٍ بدأ كظاهرة محدودة الأهمية في البداية، ثم أحدثت هذه الظاهرة ذلك التأثير العظيم، الذي لا مثيل له تقريبا في التاريخ العالمي”.[7] فظهر الإسلام كقوة كبرى تدير مجرى تاريخ الدنيا، وبغض النظر عن بعض الحروب الداخلية في الجغرافيا الإسلامية وتداول الحكم والسلطة بين بعض مكوناته، تواصلت العلاقات التركية العربية تحت مظلة الرابطة الإسلامية حتى نهاية القرن التاسع عشر. ولم  يكن بين العرب والصين سوى قليل من التبادل التجاري عبر طريق الحرير الذي كان ممره في ديار الأتراك.

  1. بداية العلاقة بين العرب والصين وطبيعتها

في ظلِّ التغيُّرات الدولية، لم تكن العلاقات الصينية-العربية إلَّا حقبة جديدة، إذ حاولت الصين وصل علاقاتها الدبلوماسية مع 22 من الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية، وذلك إثر قيام الصين الشعبية بقيادة الحزب الشيوعي، وفرض سيطرتها على “تركستان الشرقية” (شينجيانغ) في بداية أكتوبر عام 1949.

وقد أرسلت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الجزائري في العام نفسه إلى الرئيس ماو تسي تونغ (1897-1976) برقيةً للتهنئة بتأسيس جمهورية الصين الشعبية، كما أرسلت مثلها كلٌّ من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي التونسي واللجنة المركزية للحزب الشيوعي المغربي يوم 15 أكتوبر 1949. وتلى ذلك تتابع المراسلات والبرقيات بين بقية الدول العربية والصين الشيوعية.

وإذا أمعنَّا النظر في بداية تلك العلاقات، سنجد أنَّ معظمها لم يكن سوى تبادلا للتأييد بين ممثِّلي الفكرة الشيوعية الاشتراكية من ساسة العرب والصين آنذاك، وكانت المصالح المشتركة بين الطرفين تتمثل في الحصول على الاعتراف والدعم المتبادل؛ حيث أيدت الصين الشيوعية ثورات الاستقلال التي تبنت مبادئ (الشيوعية الاشتراكية) في البلاد العربية، وفي مقابل ذلك لم تقف الدول العربية موقف النقيض للزعم الصيني بمشروعيةَ سلطته الشيوعية الجديدة وسيادته على “تركستان الشرقية” بالإضافة الى غضها الطرف عما تواجهه عرقية الأويغور. فمن ثمرة هذه العلاقات، جاء امتناع كلٍّ من مصر والسعودية وسوريا واليمن الجنوبي عن التصويت على قرار الولايات المتَّحدة الأمريكية باتِّهام الصين الشيوعية باعتدائها على المسلمين، والذي أُعلن يوم 1 فبراير1951 في مقرِّ الأمم المتَّحدة.

وفي أغسطس عام 1955، قدَّمت وزارة الخارجية السورية إلى وزارة الخارجية الصينية مذكِّرةً دعت فيها الصين إلى تأييد نضال الشعبين المغربي والجزائري لأجل الحرِّية والاستقلال، فقدَّمت وزارة الخارجية الصينية مذكِّرةً جوابية أعربت فيها عن تأييدها لانتفاضة الشعوب في الجزائر والمغرب وتونس. وتبنَّى المؤتمر الوزاري السوري يوم 1 يوليو عام 1956 قرارًا اعتُرف فيه بجمهورية الصين الشعبية، وفي يوم 10 أغسطس أصدرت الحكومتان بيانًا مشتركًا أعلنتا فيه عن إقامة العلاقات الخارجية بين البلدين[8].

في بداية الأمر، تعززت العلاقات العربية-الصينية على مبدأ شيوعي اشتراكي لكلا الطرفين. وبالرغم من انقراض الشيوعية من المجتمعات العربية شيئًا فشيئًا، واصلت الدول العربية علاقتها مع الصين حتى بداية السبعينيات، في ظل سياسة النأي بالنفس عن شؤون الأقلِّيات المسلمة، إلى أن تَشكَّل المؤتمر الإسلامي (منظَّمة التعاون الإسلامي) بدافع الشأن الفِلَسطيني الذي بادرت الصين إلى أداء دور الفاعل فيه بإتقان، واتَّخذته بديلًا عن اللعب على وتر الشيوعية. إذ ظهرت في صفِّ الدول العربية الداعم للقضية الفِلَسطينية بالإضافة الى مساندتها لمواقف المنظَّمة. وربحت في مقابل ذلك تغاضي الدول العربية عن الأقلِّيات المسلمة فيها، خاصَّةً الأتراك الأويغور في “تركستان الشرقية”، وبهذا كسبت مضيَّ الوقت لتطبيق سياساتها على الإقليم.

ومع أنَّ منظَّمة التعاون الإسلامي لم تقف مع قضية فِلَسطين فقط، بل توسَّعت إلى نطاق أبعد وهو تَلمُّس الأزمات النازلة على الأقلِّيات المسلمة عامَّةً في مختلِف المجتمعات. بل وأصبحت عنصرًا رئيسيًّا في سياسات الدول العربية الخارجية، حتى إنها في بعض الأحيان تظهر بصفتها قوَّةً كبرى منافسة للغرب كما يُوضَّح في خطابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي منها كلمته المشهورة عام 2017 حينما أعلنت الولايات المتَّحدة القدس عاصمة لإسرائيل: «القدس خطٌّ أحمر للمسلمين… وسنجمع أعضاء منظَّمة التعاون الإسلامي لقمَّة إسطنبول». ومن هنا نستطيع أن نرى مكانة المنظَّمة في قمَّة السياسة الخارجية للدول العربية والإسلامية، ولكنها لم تقف وقفة مماثلة في قضية الأويغور.

  1. العلاقات العربية-الصينية وأحداث 11 سبتمبر تجاه قضية الأويغور

تعتبر أحداث الحادي عشر من سبتمبر واحدة من أكبر المبررات المستخدمة صينيا؛ من أجل اتاحة الفرصة لاستغلال تشكيل علاقات دولية جديدة تخدم مصالحها التي كانت تنافسها فيها الولايات المتحدة، خاصة المصالح الاقتصادية. وعمدت إلى توجيه جهودها في اتجاهات رئيسية، فبدأت الصين بتسويق فرضية أن مشهد الهيمنة الأمريكية الأحادية هو الذى أوصل العالم إلى 11 سبتمبر 2001.

ركزت الصين هيمنتها على نفط المناطق الآسيوية، ووسعت نشاطاتها الاقتصادية هناك، كما سعت لإنشاء تكتلات سياسية تكون هي محورها، ليتماشى مع رؤيتها القائمة على أساس ضرورة هيمنتها العكسرية على الممرات المائية المهمة عالميا، وفرض وجود لها في منطقة الشرق الأوسط عبر استراتيجيات منظمة وطويلة المدى.[9]

وإذا ما تم النظر الى سياسة الصين الداخلية بعد أحداث 11 سبتمبر، فقد أعلنت السلطات عن قانون يوحي بأن الإسلام مصدرا للإرهاب على مبدأ أن “الدين أفيون الشعب”. وشرعت بتشريع قوانين وفرض بنود من شأنها أن تقوض تأثيره وتفصله عن الحياة الاجتماعية للمسلمين، خاصة للأتراك الأويغور في تركستان الشرقية. فقد قامت بإغلاق المدارس الدينية والمكاتب ومنع بيع الكتب الدينية، كما عملت على تغيير المناهج الدراسية كلها بفرض اللغة الصينية وفرض المبادئ الشيوعية الماركسية ومنع ممارسة اللغة الأم لدى الطلاب والموظفين، بالإضافة الى منع الأويغور من أداء أي شعار ديني في الأماكن العامة، مثل المحطات والمطارات. وعلى الرغم من أن الصين تضمن رسميا الحريات الدينية في دستورها، لكن لم يلمس تأثير ذلك على الحياة العامة، خاصة عند النظر لأحوال مسلمي الاقليم.

  1. مذبحة أورومجي (5 يوليو 2009) والربيع العربي:

في المدَّة من 5 إلى 7 يوليو 2009، قُتِل الآلاف من متظاهري الأويغور وأُخفوا قسرًا أو أُصيبوا، في ردِّ فعل من جانب السلطات الصينية على الاحتجاجات السلمية التي نظَّمها طلَّاب الجامعات من الأويغور في مدينةأورومتشي عاصمة البلاد[10]. وكان هؤلاء الطلَّاب قد خرجوا إلى الشوارع على إثر السياسات القمعية الممارسة على الأويغور والتضييق عليهم في كلِّ جوانب الحياة، ومحاولة طمس هُويتهم الدينية.

ومن الواضح أنَّ هذه العملية صارت نقطة تحوُّل رئيسية في استراتيجية الحكومة الصينية تجاه إقليمالأويغور، من الافتقار إلى التسامح أو الرغبة في الاستماع لأصوات شعب الأويغور واهتماماته، إلى العنف والاضطهاد الصريح. وقد بقيت آثار ذلك على هذا الشعب الذي تسعى الحكومة الصينية جاهدةً إلى محو هُويته، إذ اختفى المئات بل الآلاف من الطلَّاب المتظاهرين في المعتقلات الصينية، ونتج عن ذلك تدهور وضع أهالي الأويغور في الإقليم بشكل كبير. كما شهد الإقليم توتُّرًا شديدًا واعتداءات دامية في الأعوام الأخيرة، ورقابة شديدة من جانب الشرطة، حتى أثبت خبراء ومنظَّمات حقوقية كمنظَّمة هيومن رايتس ووتش وغيرها، أنَّ نحو ثلاثة ملايين مسلم محتجزون في مراكز لإعادة التأهيل السياسي في الإقليم.

ثالثاً: السياسات الراهنة للبلدان العربية حول قضية الأويغور

بادرت الصين إلى تسويغ اجراءاتها بربط وضع الأويغور بالربيع العربي، بالرغم من عدم وجود تأثير مباشر أو انعكاسات مباشرة بين المجتمعين العربي والأويغوري. فقامت السلطات الصينية على إثر موجات الربيع العربي بفرض الحواجز ومنع الحج وسحب جوازات السفر من الأويغور ومنعهم من السفر.

ولم يكن الموقف الصيني ينطلق من التخوُّف من عدوى الربيع العربي، بل الحقيقة أنَّ جوهره كان يبدأ خارجيًّا بمناكفة الغرب في مسألة (الجيوبوليتيكا) الدولية، ومحاولة إثبات فكرة أنَّ الصين آخذة في التشكُّل بصفتها قطبًا سياسيًّا لا قطبًا اقتصاديًّا عالميًّا فقط، وهذا الطموح يبدو أنه يتحقَّق بتوافق مع دول الخليج والشرق الأوسط من جهة، واتِّفاق مع إيران وروسيا من جهة أخرى.

وفي حين كانت الثورة الثقافية والأزمات الداخلية الناتجة عن فوضويات النظام الاشتراكي قد أنهكت السلطات الصينية حتى بداية الثمانينيات، انتهج الحزب الشيوعي الصيني سياسةً أكثر انفتاحا على العالم، وشمل ذلك تجدُّد العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية على أساس الشراكة الاقتصادية والجيوسياسية في مقابل الغرب الأوروبِّي-الأمريكي، الأمر الذي دفع لحصول مسلمي الأويغور على فرصة للتنفُّس خلال هذه الفترة الوجيزة (1980-1990).

أمَّا بعد جرائم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، فقد غيَّرت الصين بوصلة لعبتها السياسية تجاه الأويغور، وبدأت تظهر للعالم كطرف متضرِّر، حتى حشدت حولها روسيا والجمهوريات الجديدة الخمس التي استقلَّت عن الاتِّحاد السوفيتِّي وباكستان وغيرها، تحت سحاب منظَّمة شينغهاي للتعاون، وطوَّرتها بشكل كبير حتى صارت منصَّة السياسة التي يلْتقى فيها رؤساء الدول الأعضاء على مدار السنوات الـ18 الماضية، لتصبح أكبر منظَّمة إقليمية على مستوى العالم للتعاون الشامل، من حيث المساحة التي تغطِّيها وتعاظُم التعاون بين الدول الأعضاء فيها في كثير من المجالات، مثل الأمن والاقتصاد والتبادلات الشعبية، وضمَّت إليها كلًّا من باكستان وإيران العضوان في منظَّمة التعاون الإسلامي. وظلَّت قضية الأويغور مهمشة خلف المزاعم الصينية على الصعيد السياسي العالمي.

رابعاً: تأثير موقف الحكومات العربية من الإسلام السياسي في قضايا الأويغور

تَعُدُّ السعودية ودول الخليج التيَّارَ الوهَّابي جزر سياساتها الخارجية، إذ تضعه في لوائح أولوياتها في الأنشطة الخارجية، وتهتمُّ بنشر الدعوة السلفية في بلاد المسلمين بما فيها مناطق الأقلِّيات المسلمة. كما أنها تحاول استخدام هذه الأنشطة أسلحةً ضدَّ الشيعة الإيرانية

ومن الجدير ذكره في هذا الصدد أنَّ مجتمع الأويغور كان ملتزمًا بالمذهب الحنفي الممزوج بعقيدة الصوفية، فلم يلفت نظر دعاة السلفية في البداية. ثم في أوائل التسعينيات، بدأ انتشار الفكرة الوهَّابية بنسخة سعودية بشكل كبير بين الشباب، فاستغلَّت الحكومة الصينية ذلك لتُقصي دور العلماء الأحناف عن المجتمع من جهة، وتسجن النخبة الأويغورية بتهمة التأثُّر بالوهَّابية من جهة أخرى، فضلًا عن اتِّهامها العلماء والمثقَّفين بانتمائهم إلى الجماعات السلفية أو الجهادية، أو اتِّهامهم بالانفصالية عشوائيًّا حتى جرائم 11 سبتمبر عام 2001، كي يبقى الشعب مفتقدًا لتعاطف المسلمين، وفي منأًى عن عيون العالم.

وقد كانت السعودية والدول العربية على علم بتلك السياسات الصينية الشيوعية، إلَّا أنها أبدت صمتها حيال ذلك. وكان هذا السكوت فرصةً للجهر بالإبادة الجماعية لأقلِّية الأويغور المسلمة وظلمها وقمعها، واستلهمت سلطات ميانمار البوذية من ذلك في تعاملها مع الروهنجيا.

في الختام، فقد استفادت الصين من ثورات الربيع العربي، وجعلت دول الخليج والشرق الأوسط في صفِّها، منافِسةً بذلك سياسة الولايات المتَّحدة الأمريكية والاتِّحاد الأوروبِّي. وبحنكة ضمَّت إيران وتركيا إليها أولًا، ثم بقية الدول العربية، طمعًا في جلب المشاريع الصينية إلى تلك الدول تحت الخطَّة التي سمَّتها: «حزام واحد، طريق واحد»، والهادفة لربط آسيا وأوروبَّا وإفريقيا. وقد شملت هذه الخطَّة كلَّ الجوانب، السياسية والأمنية والاقتصادية، فأصبحت تلك الدول صديقًا ملاطفًا داعمًا لسياسات الصين.

المصادر:

[1] باحث وماجستير في قسم الدراسات الإسلامية، تخصُّص الفقه الإسلامي – جامعة إسطنبول، وماجستير في الشريعة والدراسات الإسلامية، قسم السياسة الشرعية – جامعة طرابلس – لبنان. مهتمٌّ بقضايا الأقلِّيات الإسلامية، وناشط بشأن أتراك الأويغور.

[2] صفحة جامعة مينيسوتا، حقوق الإنسان: مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول، الأمم المتحدة، نيويورك، 1993، رقم المبيع: A.94.XIV-Vol.1, Part 1، ص939.

ويُنظر الجزيرة: https://www.aljazeera.net/news/humanrights/2014/8/3/الإبادة-الجماعية

[3] الإحسان، عبد الله، منظمة التعاون الإسلامي في عامها الخمسين: بين الأمل واليأس، منتدى الشرق. Huda (18-6-2017), “World’s Muslim Population”.

[4] المرجع السابق.

[5] منظمة التعاون الإسلامي تعقد دورة خاصة حول التطورات الأخيرة في ميانمار، 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

[6] وكالة أنباء أراكان، اجتماع خاص في منظمة التعاون الإسلامي لمناقشة أزمة الروهنجيا، http://arakanna.com/wp_arakanna/56717/

[7]  أسامة الحساني، ترك برس، فارخ الدولة العثمانية.

[8] فائزة كاب، العلاقات العربية – الصينية بين الماضي والحاضر: http://arabic.people.com.cn/99002/99408/6913614.html

[9]  11 سبتمبر.. نهاية منهج “القطب الأوحد” وبداية خريطة جديدة للقوى العالمية. شبكة الوفد الإلكترونية.

[10] تركستان تايمز، مؤتمر الأويغور العالمي يحيي ذكرى ضحايا مذبحة أورومتشي. http://turkistantimes.com/ar/news-10939.html

محمد أمين الأويغوري

باحث مهتمٌّ بقضايا الأقلِّيات الإسلامية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى