جدل: مصير الاحتجاجات العراقية

يثار جدل حاد حول مصير المظاهرات الشعبية في العراق فيما يعرف بــ”الجيل الثاني” للثورات العربية، وزاد تعقيد المشهد العراقي عملية اغتيال “قاسم سليماني” حيث اعتربها رأي أنها وحدت الفصائل الموالية لإيران وأعادت إنعاش المشروع الإيراني في العراق تحديداً، في حين اعتبر البعض أن مسار الحراك العراقي سيستمر لأن الشباب هم محركوه وأكثر وعياً بمطالبهم، فيما أراد طرف ثالث إعادة النظر بالتواجد العسكري الأجنبي في العراق، وانهاء التظاهرات وحصر السلاج بيد الدولة لتهدئة الساحة العراقية.

عمر الجبوري

باحث مختص بالشأن العراقي
تتخذ الأحداث شكلاً متسارع الوتيرة على الساحة العراقية منذ أكتوبر2019، فبعد مطالبة الشباب المنتفض بإصلاح النظام السياسي والتصدي للفساد والدعوة لتولي الشخصيات الوطنية لإدارة شؤون البلاد، وبعد الثبات الكبير الذي أبداه الشباب المنتفض على موقفهم برغم القمع والقتل، بدا أن موقف إيران ووكلائها هو الأضعف على الساحة العراقية نظراً للرفض الشعبي الكبير لكل ما له علاقة بإيران.
وقد ترجم ذلك في الدعوة لمقاطعة المنتوجات الإيرانية، والتي لاقت استجابة شعبية كبيرة جراء الوعي الذي أنتجته “انتفاضة تشرين”، فضلاً عن محاصرة ميناء أم قصر من قبل المتظاهرين عدة مرات وإيقاف نشاطه وذلك لسيطرة الاحزاب الموالية لإيران على العديد من الارصفة داخل الميناء والتي تستخدمها لصالح الاخيرة خصوصا في ظل العقوبات الدولية على طهران.
بالتأكيد أن إيران لم تقف مكتوفة الأيدي وهي تشاهد انحسار نفوذها في العراق، ففي إطار الأزمة القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، حاولت طهران من خلال أذرعها في العراق افتعال بعض الأحداث الأمنية من خلال مهاجمة بعض القواعد التي تتواجد فيها عناصر أمريكية لمحاولة سحب الزخم عن التظاهرات، وتشتيت الأنظار عنها واختلاق وضع جديد يتناسب مع مصالحها لإجهاض محاولات إبعادها عن الحكومة القادمة، ما دعا القوات الأمريكية للرد العسكري على معسكرات حزب الله في العراق وسوريا.
ما لم يكن بحسبان طهران أن الرد الأمريكي على محاصرة سفارة واشنطن في بغداد من قبل وكلائها في العراق سيصل إلى استهداف قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، فعقدة الرهائن الدبلوماسيين في طهران لازالت حاضرة في الذاكرة الأمريكية، مما شكل قفزة كبيرة في الأحداث على الساحة العراقية والاقليمية والدولية.
ورغم استمرار التظاهرات في العراق، إلا أن الخطوة الأمريكية بقتل سليماني ساهمت بشكل كبير في إعادة إنعاش المشروع الإيراني وتوحيد موقف الفصائل الموالية لطهران سواء على الساحة العراقية او الاقليمية، وهو ما تجلى في موقف الكتل الشيعية في البرلمان العراقي وتصويتها على مشروع قرار إخراج القوات الأمريكية والأجنبية من العراق، ما يعني إعادة الهيمنة الايرانية على الساحة العراقية من خلال إصرار الكتل البرلمانية الشيعية على اختيار رئيس وزراء محسوب على إيران. ويبدو أن الطريقة الوحيدة لإنهاء الهيمنة الإيرانية على العراق، تكّمن في الحسم عسكري.

آلاء الساعدي

ناشطة مدنية عراقية
خرج مئات الآلاف من المواطنين العراقيين بشكل سلمي من وسط العراق إلى جنوبه منددين بالفساد الحكومي وسوء الخدمات والسلاح المتفشي في كل مكان وسطوة المافيات من الأحزاب على مقدرات الشعب والأموال العامة والخاصة ايضاً.
لكن يبدو أن الحكومة العراقية لم تتعلم من باقي الثورات التي خرجت ضد الطغاة في الوطن العربي والعالم، فقامت باتخاذ إجراءات عقابية من قبيل قطع الانترنت، وفض المظاهرات بالرصاص الحي، لتقابل ردة فعل المتظاهرين ضد فسادها، بردة فعل قمعية تُظهر عدم اهتمامها بالمواطن، بل تحركها وفقاً لأجندات خارجية.
على الرغم من ممارسات القمع التي تقوم بها الحكومة والأحزاب الحاكمة، استبسل العراقيين (بالأخص من فئة الشباب) في الدفاع عن حقوقهم وحريتهم بل ولم يكتفوا بذلك فقد قام الشباب بتحويل أماكن التظاهر الى مجموعة لوحات فنية فقاموا بالرسم على الجدران وأعادوا تأهيل الشوارع بعد إهمال الدولة لذلك وصبغوا الأرصفة وأعادوا أضواء الإنارة إلى العمل، وأطلقوا مبادرات وطنية منها دعم المنتج الوطني، وكل ذلك كان بمجهود شخصي وبدافع حب الوطن، ما عكس المستوى الحضاري لهؤلاء الشباب الراغبين في تحقيق الاستقلالية الحقيقية لبلادهم.
وبعد اغتيال قاسم سليماني من قبل القوات الأمريكية، تحاول الأحزاب الموالية لإيران إخماد لهيب المظاهرات، وتسعى لزج العراق بحرب مع أمريكا، لكن الشباب في ساحات التظاهر يرفضون ذلك قطعاً، محاولين الاستمرار في مظاهراتهم للتأكيد على أن مطالبهم تقوم على حياة كريمة، ويبدو أن استمرار “مُظاهرات تشرين” هي المفتاح الأساسي لإفشال محاولات إيران لتحويل العراق ساحة حرب.

مرتضى الزيدي

أكاديمي وباحث عراقي
لقد كفل الدستور العراقي لعام 2005 حق التظاهر السلمي في المادة (38) منه، وجاءت صياغتها بالشكل الآتي:(تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب العامة …حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل..) وبرغم جدية وعدالة المطالب التي رفعها المتظاهرون في العراق، وما تبعها من أحداث واختراقات أمنية بحق بعض المتظاهرين، إلا أن حساسية وهشاشة الوضع الأمني والسياسي في العراق أدى للوصول إلى بعض النتائج السلبية التي كان من الطبيعي توقعها في بلادٍ مثل العراق.
وجرّت هذه المظاهرات البلاد إلى الدخول في الفراغ الدستوري بعد استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ورفض رئيس الجمهورية برهم صالح تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكبر؛ في تجاوزٍ واضح للدستور الذي دعا في المادة (76) إلى أن يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً خلال فترة (15) يوماً منذ قبول الاستقالة.
وانتجت تحركات الكتل السياسية لاختيار رئيس الحكومة المقبلة تحت ضغط الشارع المنتفض إلى زيادة التوتر بين الأطراف الإقليمية والدولية المتنازعة على الساحة العراقية، مما زاد شحنة التوتر بين تلك الأطراف المؤثرة على المشهد العراقي نتج عنه قصف القوات الامريكية لمقار الحشد الشعبي التابع للقوات الأمنية العراقية وما تلاه من عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في مطار بغداد الدولي، في تطور من شأنه تهديد الوضع الامني مجدداً في العراق.
كل تلك الأحداث من شأنها جعل الساحة العراقية ميداناً لتصفية حسابات وصراعات اقليمية ودولية، وهو ما يستدعي إعادة النظر بتواجد القوات العسكرية الأجنبية في العراق، بالإضافة إلى إنهاء التظاهرات وحصر السلاح بيد الدولة لإبعاد عمليات الانتقام عن الساحة العراقية، وبالتالي تجنيب البلاد مخاطر التصعيد المقبل في المنطقة.

منتدى السياسات العربية

وحدة الأبحاث والسياسات
زر الذهاب إلى الأعلى