الكوتا: تحدِّي التمكين السياسي للمرأة في المغرب

اقرأ في هذا المقال
  • تعدّ تقنية الكوتا إحدى الآليات المتميّزة التي تصحّح خللًا قائمًا داخل المجتمع، وهي التقنية التي تبنّاها النظام السياسي المغربي لزيادة تمثيل النساء في المجالس المنتخبة. وعلى الرغم من أنها مكّنت من رفع تمثيل النساء في البرلمان المغربي،

 

توطئة:

تعدّ تقنية الكوتا إحدى الآليات المتميّزة التي تصحّح خللًا قائمًا داخل المجتمع، وهي التقنية التي تبنّاها النظام السياسي المغربي لزيادة تمثيل النساء في المجالس المنتخبة. وعلى الرغم من أنها مكّنت من رفع تمثيل النساء في البرلمان المغربي، فإنها لم تحقّق هدفها الأساسي والمتمثّل في تحقيق مشاركة سياسية قوية خارج هذا النظام. ويرجع ذلك للكثير من التحدّيات على مستوى البنيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، والتي تتقاسمها كلّ التجارِب السياسية العربية، ممّا يحدّ من مشاركة النساء في صناعة القرار. الأمر الذي يستوجب سياسات فعّالة موازية، تسمح بانخراطهنّ في العمل السياسي، وبالوجود الحقيقي للمرأة في المؤسّسات السياسية الرسمية وغير الرسمية.

وتُعدّ الدراسات المتعلّقة بالمرأة وتمكينها سياسيًّا من أهمّ الدراسات التي تسلّط الضوء على القضايا المحورية في المجتمعات الإنسانية. فالاهتمام بالمرأة ودورها في المجتمع هو أساس تحقيق التنمية المجتمعية، وقد تنامت في السنوات الأخيرة الدراسات والتقارير والبحوث المهتمّة بتحسين وضع المرأة في العالم العربي. كما تزايدت الأصوات المطالبة بضمان حقوق عادلة للمرأة، وتشكّلت لهذا الغرض جمعيات ومراكز بحوث وحركات اجتماعية. وبشأن نتائج (نضال) المرأة من أجل حقوقها في العالم العربي، فنجد أنها قد حقّقت مكاسب من متقدّمة في دول كتونس والمغرب، إلى متواضعة في دول كمصر والأردن وبعض دول الخليج، وذلك راجع إلى الكثير من الإكراهات الثقافية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية.

بالرغم من مصادقة كثير من دول المنطقة العربية على الاتفاقيات الدولية الخاصة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة إلا أنها لم تتمكن من رفع التحفظات عليها لطبيعة المجتمعات العربية التي تخضع لقوة الأعراف والتقاليد.

ولا يمكن إنكار أنّ إقرار الحقوق السياسية للنساء (الانتخاب – الترشّح – تقلُّد المناصب السياسية…) يُعدّ شرطًا أساسيًّا للتنمية وتحقيق الديمقراطية. ولقد فطنت المجتمعات الغربية إلى ضرورة إشراك المرأة في كلّ مناحي الحياة السياسية منذ زمن بعيد، وعملت على ضمان الكثير من حقوقها السياسية مع توالي صدور الاتّفاقيات والمعاهدات الدولية، كاتّفاقية الحقوق السياسية للمرأة التي اعتُمدت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامّة للأمم المتّحدة في ديسمبر/كانون الأول 1952، وإعلان القضاء على التمييز ضدّ المرأة الذي اعتُمد ونُشر بموجب قرار الجمعية العامّة للأمم المتّحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 1967، واتّفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة التي اعتُمدت وعُرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامّة للأمم المتّحدة في ديسمبر/كانون الأول 1979.

وقد استلهمت بعض الدول العربية التجرِبة الغربية في هذا الإطار، وعلى هذا الأساس صدّقت الكثير من دول المنطقة على الاتّفاقيات الدولية الخاصّة بالقضاء على كلّ أشكال التمييز ضدّ المرأة، غير أنّ الطابع الخاصّ للمجتمعات العربية، المتميّزة بخضوعها لقوّة الأعراف والتقاليد وتمسّكها بكونها مجتمعات محافظة، جعلها تصدّق على الكثير من المواثيق الدولية لكن لم تتمكّن من رفع كلّ التحفّظات عليها.

وإلى يومنا هذا، نجد أنّ ثمّة تفاوتًا صارخًا على مستوى حقوق المرأة بين دول المنطقة العربية، وما زالت المرأة في هذه الدول تفتقد أبسط حقوقها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وخاصّةً السياسي. لكن وبسبب تطوّر المجتمعات الدولية وتزايد الوعي الحقوقي، فقد تعالت في مختلِف الدول العربية أصوات منادية بحقوق عادلة للنساء، وعلى رأسها الحقوق السياسية.

إنّ مسألة وصول المرأة إلى مراكز اتّخاذ القرار يرتبط غالبًا بمجموعة من المعطيات، كالأصل الاجتماعي والتكوين العلمي… إلخ، كما أنها تتأثّر بطبيعة العقليات والأنماط الثقافية السائدة في المجتمع. وقد حصل بعض هذا التحوّل بفعل عملية التحديث، التي ساهمت في خلخلة مجموع التصوّرات والمفاهيم الموروثة حول دور المرأة في المجتمع. إنّ التحوّل يجري ببطء، إلّا إنه ثابت[1].

أولًا : المرأة والمشاركة السياسية في العالم العربي

ظلّت المرأة في العالم العربي ولعقود طويلة، بعيدةً عن مشاركة حقيقية وفعّالة في المجال السياسي، فلطالما ظلّ هذا المجال حكرًا على الرجل، وعُدَّت المرأة كائنًا غير سياسي، ولم تحظ باعتبار إلا أوقات الاستحقاقات الانتخابية، لاستغلال صوتها. ومع أنها حصلت على الحقّ في التصويت والانتخاب منذ الخمسينيات والستّينيات في القرن الماضي، فإنّ بعض الدول -لا سيّما دول الخليج- تأخّرت في منح المرأة هذا الحقّ. وقد توسّعت فيما بعد المشاركة السياسية، وخاصّةً في الدول التي اعتمدت نظام الحصص أو ما يُعرف بالكوتا، كالأردن والمغرب. ولكنّ استمرار غياب المرأة عن المشاركة السياسية، سواءٌ بالتصويت والترشّح وتقلُّد المناصب السياسية، ظلَّ يطبع المجال السياسي في العالم العربي.

لقد كان تطوّر وضع المرأة في العالم العربي حديثًا -وما يزال- مماثلًا إلى حدّ كبير ما كان عليه في العالم الغربي، فقد مرّت المرأة الغربية بعصر كان تأثيرها فيه في الغالب بشكل غير مباشر، كما كان حال زوجات النبلاء والأباطرة وبناتهم، ثم انتقلت تدريجيًّا وببطء إلى كونها مواطنة متساوية في الحقوق مع الرجل. وقد اختلف مدى خروج المرأة من البيت في البلدان العربية للمساهمة في الحياة العامّة، باختلاف درجة التطوّر الاجتماعي والاستقلال السياسي والتنمية الاقتصادية، مع التركيز على التعليم وتوفير فرص العمل[2].

وكانت جيبوتي أول دولة عربية تمنح المرأة حقّ العمل السياسي، وذلك في عام 1946، ولكنها لم تمنحها حقّ التصويت في الانتخابات إلّا في عام 1986. وقد مُنحت المرأة في لبنان حقّ الترشح والتصويت عام 1952، لكنها لم تدخل البرلمان إلّا عام 1991. وفي سوريا، حصلت على هذا الحقّ عام 1953، ودخلت البرلمان عام 1973. وفي مصر، مُنحته عام 1956، ودخلت البرلمان عام 1957. وبذلك تُعدّ المرأة المصرية أول امرأة عربية تدخل البرلمان.

أمّا جزر القمر فجاءت في المرتبة الخامسة، إذ مُنحت المرأة فيها حقّ التصويت والترشيح عام 1959. ثم جاء دور تونس، وتلتها موريتانيا في عام 1961، ولكنّ المرأة لم تصل إلى البرلمان فيها إلّا عام 1975. وفي الجزائر، مُنحت المرأة هذا الحقّ عام 1962، ودخلت البرلمان في العام نفسه. أما في المغرب فقد مُنحته عام 1963، ودخلت البرلمان عام 1993. ومُنحته في السودان عام 1964، وفي ليبيا عام 1967، ودخلت البرلمان عام 1990. وقد مُنحته في الأردن عام 1974، ودخلت البرلمان عام 1989.

وفي العراق، مُنحت المرأة حقّ التصويت والترشح عام 1980، ودخلت البرلمان في العام نفسه. وفي عمان، مُنحته عام 1994، وفي قطر عام 1998. أمّا في الكويت، فقد نالت حقّ الانتخاب والتصويت في 16 مايو/أيّار 2005، بعد 20 عامًا من النضال من أجل الحصول على حقّ الممارسة السياسية[3].

كانت المرأة في المغرب حاضرة سياسيًّا منذ زمن الاستعمار والمقاومة ضدّ الاحتلال، وبعد الاستقلال وخلال الستّينيات والسبعينيات. ومع بروز الحركات المعارضة وخاصّةً الاشتراكية منها، كانت المرأة موجودة بصفتها مناضلة وناشطة سياسية، في حين غابت بصفتها فاعلة سياسية في المجالس المنتخبة حتى سنة 1993، حين تمكّنت لأول مرة من دخول البرلمان، ممثَّلة بسيدتين فازتا بمقعدين فيه.

وهو ما سلّط الضوء على مسألة ضرورة تمثيل الفئات المُقصاة في المجتمع -لأسباب مختلفة- وضرورة مشاركتها في الهيئات المنتخبة ومناصب القرار، وعلى رأسها البرلمان، خاصّةً عندما يتعلّق الأمر بالشباب والنساء. ولتجاوز هذا المأزق، فقد اعتُمد نظام الحصص أو ما يُعرف بالكوتا، إذ نفّذ المشرِّع تدبيرًا جديدًا بدّل نمط الاقتراع الأحادي الاسم في دورة واحدة إلى الاقتراع باللائحة، وتبنّى نظام اللائحتين لوائح محلّية ولائحة وطنية من أجل إعطاء دفعة للحضور النسْوي في البرلمان المغربي.

وتُستخدم آلية الكوتا لتوفير فرصة لولوج الهيئات التمثيلية، للفئات الأقلَّ حظًّا في الفوز بمناصب داخل مجالس الدولة. وهي تقنية يستخدمها الكثير من دول العالم من أجل إدماج الفئات التي تعاني تمييزًا على أساس عرقي أو ديني أو جنسي.

وإذا كانت الكوتا تُعدّ إجراءً مرحليًّا لتصحيح ما يعدُّه اتّجاهٌ ما خللًا حاصلًا في تمثيل المرأة، فإنّ اتّجاها اخر يرفض هذا الخِيار، عادًّا إياه متنافيًا مع مبدأ المساواة بين المواطنين، متناقضًا مع مبدأ تكافؤ الفرص. فهو بموجب هذا الرأي تدبير غير ديمقراطي، يمنح النساء حقوقًا اعتمادًا على النوع لا على الكفاءة، بل إنّ هناك مَن يذهب ليعدّ هذه التقنية حيفًا في حقّ النساء، ويعبّر عن تخوّفه من أن يؤثّر اعتمادها في نضال المرأة باتّجاه التحسين الجذري لأحوالها، وتعزيز مشاركتها السياسية في المستقبل. وقد عدّه البعض تشويشًا على الممارسة الديمقراطية[4].

وعلى هذا الأساس، فقد خُصّص في المغرب سنة 2002 ثلاثون مقعدًا للنساء في إطار اللائحة الوطنية من أصل 325 مقعدًا. هذه اللائحة التي خُصّصت بالاتّفاق بشكل ضمني بين الأحزاب السياسية للنساء، وهو ما مكّن من ضمان وصول ثلاثين امرأة إلى البرلمان، بالإضافة إلى خمس نساء فقط استطعن الفوز بشروط منافسة الرجال نفسها. وفي الانتخابات التالية، تراجع العدد إلى أربع نساء فقط، أي إنّ 34 امرأة وُجدت بالبرلمان بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2007. وهو ما يعني -بعد مرور دورتين انتخابيتين اعتُمدت خلالهما تقنية الكوتا- أنّ هذا الإجراء لم يرفع من نسبة تمثيل النساء في البرلمان.

تُستخدم آلية الكوتا لتوفير فرصة لولوج الهيئات التمثيلية، للفئات الأقلَّ حظًّا في الفوز بمناصب داخل مجالس الدولة. وهي تقنية يستخدمها الكثير من دول العالم من أجل إدماج الفئات التي تعاني تمييزًا على أساس عرقي أو ديني أو جنسي.

على هذا الأساس، واستجابةً للحَراك الاجتماعي الذي شهده المغرب وأغلب الدول العربية سنة 2011، طُرح دستور جديد للاستفتاء، تضمن قانونا تنظيميا جديدا لمؤسّسة البرلمان، وآليةً تشريعية جديدة من شأنها رفع مستوى التمثيل النسائي في البرلمان إلى 60 مقعدًا بدلا من 30 في الاستحقاقات السابقة، الأمر الذي ساهم في إشراك 67 امرأة في عضوية البرلمان. كما صدّق البرلمان على قانون يتعلّق بالمجالس المنتخَبة، ترفع نسبة النساء في هذه المجالس من 12% إلى 27%. وخلال الانتخابات التشريعية في 2016، وصلت 81 نائبةً برلمانية من أصل 395 إلى مجلس النوّاب، وهو ما يمثّل زيادةً بنسبة 4% على عددهنّ في برلمان 2011.

ومع أنّ نظام اللائحة الوطنية تمكّن من إعطاء نتائج ملموسة على مستوى تمثيل المرأة في المجال السياسي المغربي، فإنّ ثمّة مَن عدّه -كما سبق وأشرنا- نظامًا غير ديمقراطي، متناقضًا مع مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، ومبدأ تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة. وهذا الرأي فيه جانب من الحقيقة، لكن يمكن القول إنّ نظام الكوتا بشكل عامّ يستمدّ شرعيته من مبدأ العدالة، الذي يقتضي وجود تمثيل لشريحة واسعة في المجتمع أقلَّ حظًّا في الفوز، وهي شريحة النساء. كما أنّ هذا النظام يبقى حلًّا مرحليًّا أمثلَ لمجتمع ما زالت تطغى عليه العقلية الذكورية، ولا يؤمن بقدرات المشاركة السياسية للمرأة، خاصّةً على مستوى القرار.

ثانيًا – تقنية الكوتا: عوائق سوسيو-اقتصادية تحدُّ من نجاعتها:

إنّ إدماج المرأة في الحياة السياسية لا يرتبط فقط بفتح الباب لمشاركتها في البرلمان والمجالس المنتخبة وولوجها إليها، بقدر ما يرتبط بتمكينها الفعلي في اتّخاذ القرارات الحيوية في كلّ المجالات، وتشجيعها على المشاركة السياسية بمختلِف أوجهها بصفتها فاعلة ومرشّحة ومنتخبة، مشارِكة في التصويت وإبداء الرأي، وهو ما يصطدم بدوره بعدد من التحديات التي تعوّق هذه المشاركة.

فعلى المستوى التعليمي، نجد أنّ نسبة الأمّية في المغرب مرتفعة بشكل مرعب، خاصّةً في صفوف الإناث القرويات مقارنةً بالذكور، وهذا يرجع إلى تدنّي مستوى التعليم وارتفاع نسبة الهدر المدرسي في المغرب، كما يرتبط بالتوزيع غير الرشيد للمدارس في مختلِف أرجاء المملكة، وهو ما يمنع الفتيات خاصّةً من إتمام تعليمهنّ، لبُعد المدارس عن مقرّ سكناهنّ. ما يعني أنّ أمام الدولة تحدّيًا كبيرًا فيما يخصّ تشجيع التعليم والقضاء على الأمية في صفوف النساء الراشدات.

استجابة للحراك الاجتماعي الذي شهده المغرب 2011 رفع الدستور الجديد مستوى التمثيل النسائي في البرلمان من 30 إلى 60 مقعداً، ورفع نسبة مشاركة المرأة في المجالس المنتخبة من 12٪ إلى 27٪، وزاد عدد النساء بنسبة 4٪ في مجلس النواب إلى 81 نائبة في الانتخابات التشريعية 2016 عن عددهن في برلمان 2011.

وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فما تزال المرأة المغربية تعاني ظروف الفقر والبطالة بنسب أكبر من الرجل. ومع أنّ الدولة وهيئات المجتمع المدني قد اتّخذت خطوات ملموسة في هذا الإطار، متمثّلة في إطلاق المشاريع الصغيرة وخاصّةً على مستوى القرى والبوادي الفقيرة، وتشجيع الإنتاج المحلّي والمقاولات الصغرى، فإنّ هذه الإجراءات تبقى غير كافية، خاصّةً في ظلّ الظروف والأزمات الاقتصادية الحالية.

أمّا على المستوى السياسي، فعوائق المشاركة أيضًا متعدّدة ومتنوّعة، ومرتبطة من جهة بالمجتمع نفسه وبسيادة العقلية الذكورية فيه، ومن جهة أخرى بالهيئات السياسية في الدولة. ويظهر ضعف مشاركة المرأة في ضعف تمثيلها في الهيئات السياسية في الدولة -كالحكومة والبرلمان والنقابات والأحزاب- إلى اليوم. وعلى الرغم من نصّ الدستور على تشجيع مشاركتها في أفق المناصفة[5]، وإحداث هيئة لهذا الغرض، فإنّ هذا لم يغيِّر كثيرًا من الواقع.

وتشير الدراسات إلى أنّ هناك صورة نمطية لعمل المرأة في السياسة، من طرف الرجل والمرأة على السواء، ترى أنّ المرأة غير قادرة على مزاولة العمل السياسي واتّخاذ القرارات الحاسمة والمهمّة، وأنّ قدراتها أقلّ من قدرات الرجل الذي يبدو أكثر عقلانيةً ومسؤوليةً. بل إنّ الدراسات والإحصاءات أوضحت كيف أنّ معظم النساء صوّتن لصالح الرجال، وهو ما يؤكِّد سيطرة العقلية الذكورية في المجتمع المغربي، شأنه شأن باقي المجتمعات العربية.

لا زال المغرب في مرحلة التأسيس لمسيرة نسْوية من أجل مواطنة حقّة، فالتشريعات القانونية لا تكفي لتمكين المرأة، إذ لا بدّ من وجود سياسات اجتماعية واقتصادية وثقافية موازية، تضع اليد على مكامن الخلل في المجتمع، وتسوّي الاعوجاج الفكري الذي يجعل من المرأة مواطنة من الدرجة الثانية، مُقصاة من التمثيل الحقيقي والمشاركة الفعلية، بسبب عدم ثقة المجتمع والأحزاب وصنّاع القرار بكفاءتها ومؤهّلاتها لتولّي مناصب القيادة.

ثالثًا – أداء نظام الكوتا وفاعليته في النظام المغربي:

من خلال الإحصاءات حول عدد النساء في البرلمان، بصفته أقوى مؤسّسة تمثيلية في الدولة، يبدو أنّ نظام الكوتا لم يحقّق النتائج المرجوّة منه، ولم يتمكّن بشكل كبير من تقوية الحضور النسائي في البرلمان، إذ ظلّ العدد الإجباري المنصوص عليه في الكوتا هو الحاضر والأكبر في كلّ البرلمانات السابقة. وثمّة أسباب مختلفة تفسّر هذا العدد المتدنّي، فمن جهة نجد أنّ نظام اللائحة لا يسمح للمرشّحة بالولوج إليها إلّا مرة واحدة فقط، ولا بدّ من تزكية حزبها لترشّحها مرة أخرى ولو أثبتت كفاءتها.

ومن جهة أخرى، تُنتقد الأحزاب بترشيحها المقرّبين من دوائر القرار، بعيدًا عن تأهيل نساء قياديات يمثّلن الحزب ويمثّلن النساء في المغرب، ويؤدّين الدور المنوط بهنّ، وهو تصحيح الصورة النمطية للأداء السياسي للنساء في الدولة بشكل عامّ.

عوائق حدت من فعالية الكوتا في النظام المغربي للمرأة أهمها العدد الإجباري المنصوص عليه في البرلمان، وعدم معرفة المرأة في المؤسسة التشريعية المغربية لطبيعة علاقة البرلمان بالحكومة -ليس عموماً- لقلة الخبرة، وكذلك ذكورية المجتمع المغربي.

وقد كشفت دراسة للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، صادرة تحت عنوان (المشاركة السياسية للنساء من داخل قبّة البرلمان)، أنّ 69% من النساء في المؤسّسة التشريعية المغربية لا يعرفن طبيعة علاقة البرلمان بالحكومة، و50% منهنّ لا يستطعن تحديد علاقة البرلمان بالمؤسّسات الدستورية للحكامة. وسجّلت الدراسة كذلك أنّ نحو 40% من النساء المستجوَبات لا يعرفن بالضبط طبيعة الاختصاصات المالية للبرلمان، كما أنّ 55% منهنّ صرّحن بأنهنّ عانين صعوباتٍ عدّةً في أثناء مناقشة مشروع قانون مالية 2017، من بينها عدم الحصول على مشروع قانون المالية، وضعف التكوين في المجال المالي، وكثرة الوثائق وضغط الزمن التشريعي، بالإضافة إلى عدم الحصول على المعلومات الكافية في المجال المالي. كما كشفت الدراسة أنّ 22% من البرلمانيات صرّحن بأنهنّ غير متمكّنات من تقنية صياغة الأسئلة الكتابية، مقابل 17% فقط متمكّنات من تقنية الأسئلة الشفوية[6].

وعلى الرغم من وجود أصوات منادية بإلغاء تقنية الكوتا، والعودة إلى المنافسة المتكافئة على المقاعد والتمثيل في المجالس المنتخبة، فلا يمكن الجزم بالإخفاق الكلّي لهذه التقنية، إذ إنّ تجرِبتها -على الرغم من تواضع نتائجها- تبقى مرهونة بعوامل محدّدة، على رأسها فهم طبيعة هذه التقنية بصفتها إجراءً مؤقّتًا لتصحيح وضع قائم، وتكييف التوجهات الذكورية في المجتمع. ويبقى الرهان الأكبر على تخطّي المعيقات الاجتماعية والاقتصادية، التي تحدّ من نجاح تقنية الكوتا في تمكين سياسي حقيقي للمرأة.

[popup_anything id=”2422″]

خاتمة:

يُعدّ تفعيل المساهمة والمشاركة السياسية واقتسام السلطة بين الرجل والمرأة، نضالًا من أجل المواطنة والديمقراطية، ومن أجل مجتمع أكثر تقدّمًا وحداثةً، مجتمع يتطوّر باستمرار، ومطالب بإبداع حلول جديدة لإشكاليات قديمة/جديدة تطرحها علينا العلاقات الاجتماعية المتغيّرة مع الزمن. ويبقى النهوض بحقوق المرأة ونشر ثقافة المساواة والإنصاف وقيمها، خِيارًا ضروريًّا تتحمّله كلّ أطياف المجتمع المغربي، سواءٌ تعلّق الأمر بالسلطات العمومية والحكومة، وبالمنظّمات غير الحكومية أو الأحزاب السياسية وكلّ قُوى المجتمع المدني. وعلى هذا الأساس، يمكن الوصول إلى الخلاصات التالية:

  • ضرورة تقويم تجرِبة الكوتا النسائية انطلاقًا من أسس موضوعية، تنطلق من العمل الحزبي من جهة، والعمل البرلماني من جهة أخرى.
  • إعادة النظر في الترشيحات المقدَّمة من الأحزاب السياسية لتمثيل النساء في البرلمان، ووضع شروط قائمة على الكفاءة والموضوعية، تجنّبًا لتحوّل تقنية الكوتا إلى ريع سياسي يستفيد منه المقرّبون من الدوائر الحزبية.
  • التزام الهيئات السياسية قواعدَ العمل الديمقراطي، ممّا يمنح فرصًا أفضل لمشاركة النساء في المجال السياسي على قدم المساواة.
  • ضرورة اهتمام مؤسّسات التنشئة السياسية (الأسرة – المدرسة – الجامعة – الأحزاب السياسية – الإعلام…) بنشر الوعي وغرس قيم المواطنة وحقّ المشاركة السياسية لكلّ أطياف المجتمع، بما فيها النساء.
  • تفعيل دور النساء في مختلِف الهيئات السياسية، وخاصّةً الأحزاب والجمعيات السياسية والنقابات والمجالس المحلّية، من أجل إخراج نساء قياديات قادرات على المشاركة بفعالية في المجال السياسي.

المراجع:

  1. هيفاء زنكنة، “المرأة والمشاركة السياسية في الوطن العربي”، مركز دراسات الوحدة العربية. أكتوبر/تشرين الأول، 2011.
  2. “الانتخابات والتحوّلات الديمقراطية في العالم العربي، خطوة للأمام أم خطوة للوراء؟”، مركز القدس للدراسات السياسية. 2008.
  3. إدريس لكريني، “الكوطا ودورها في تمكين المرأة”. مجلة مسالك، العدد 23ـ24. 2013. مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء.
  4. محمد بنهلال، “المشاركة السياسية للمرأة في المغرب بين المعوّقات وسبل التجاوز”. المجلّة العربية للعلوم السياسية، عدد يناير/كانون الثاني 2011.
  5. الدستور المغربي لسنة 2011.
  6. الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب: https://2u.pw/LpsNl 

[1] محمد بنهلال، “المشاركة السياسية للمرأة في المغرب بين المعوقات وسبل التجاوز”. المجلة العربية للعلوم السياسية – عدد يناير/ كانون الثاني 2011. ص131.

[2] هيفاء زنكنة، “المرأة والمشاركة السياسية في الوطن العربي”، مركز دراسات الوحدة العربية. أكتوبر/تشرين الأول، 2011. ص8.

[3] للمزيد من المعلومات انظر: “الانتخابات والتحولات الديمقراطية في العالم العربي، خطوة للأمام أم خطوة للوراء؟”، مركز القدس للدراسات السياسية. 2008.

[4] د. إدريس لكريني، “الكوطا ودورها في تمكين المرأة”. مجلة مسالك، العدد 23-24. 2013. مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء. ص53.

[5] ينصّ الفصل التاسع عشر من الدستور المغربي لسنة 2011 على ما يلي: «يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز».

[6] للاطّلاع أكثر على تقارير الجمعية، يمكنكم زيارة الرابط التالي: https://2u.pw/LpsNl

د. إكرام عدنني

أستاذة العلوم السياسية في جامعة بن زهر- المغرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى